باب «إن ترك الخطيئة أيسر من [طلب] التوبة» * الأصل:
1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابه، عن أبي العباس البقباق [قال:] قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة وكم من شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا والموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لب فرحا».
* الشرح:
قوله: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة) لظهور أن ترك الفعل أسهل من الفعل ولصفاء النفس قبل فعل الخطيئة وتكدرها بعده والترك مع صفائها واستعدادها له أسهل من الفعل مع تكدرها وزوال استعدادها له وبالجملة الذنب يسود لوح النفس ويوردها في مهاوي الهلاك فكانت مخالفتها حينئذ أصعب (وكم من شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا) وهو الحزن بعد الموت بمشاهدة سوء العاقبة أبدا، أو قبل الموت أيضا فإن التابع للشهوة كثيرا ما يحزن بعد انقضائها حزنا شديدا لعلمه بقبح متابعتها وظلمة آثارها (والموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لب فرحا) فضحه فأنفضع أي كشف عن مساويه، يعني أن الموت كشف عن مساوي الدنيا أو مساوي أهلها إذ بعد الموت يعلم أن شهواتها التي دعت أربابها إليها فرية وغرورا وزهراتها التي حرضت أصحابها عليها مينا وزورا، صورتها في نظرهم بأحسن الصور حتى مالوا إليها بأكمل الميل والنظر وهي في نفس الامر كحيات مهلكة وعقارب مؤذية فلم يترك الموت لذي لب وعقل يدرك شناعة أواخر الأمور في أوائلها، وقباحة نهاية الشهوات في بدايتها، وكمال بوائق الدنيا وغوائلها فرحا وسرورا، يوجب فراغ باله ورفاه حاله لعلمه بأن الدنيا قد غرت كثيرا من الأذكياء فأنزلتهم في منازل الأشقياء فهم بعد الموت هائمون وفي الحسرة والندامة دائمون، ويمكن أن يراد أن أصل الموت فضح الدنيا لكشفه عن عدم وفائها لأهلها بالبقاء أو أن موت الأمة الماضية وتركهم الدنيا وزهراتها واشتغالهم بأعمالهم بعد الموت فضح الدنيا بعد الوفاء لهم، وفيه على التقادير ترغيب في ذكر الموت فإنه يوجب ترك الدنيا والركون إليها.