شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١٠ - الصفحة ١٢٧
باب في قوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) (1)
(1) قوله: (من يعبد الله على حرف) بعد ما ثبت أن بين الإيمان والكفر منازل ودرجات كثيرة في الآخرة، وإن لم يكن بينهما منزلة في الدنيا بالنسبة إلى أحكام الفقه، ناسب المقام الإشارة إلى بعض هذه الوسائط والأقسام فأورد المصنف روايات يتضمن جماعة من هؤلاء مثل الضال والمستضعف والمرجون لأمر الله وأصحاب الأعراف وصنوف أهل الخلاف والمؤلفة قلوبهم ومن يعبد الله على حرف، ولعل المتتبع في الروايات يجد أقساما آخر ووجه ضبط هذه الأقسام أن ينظر إلى حال الإنسان واعتقاده الحاصل بعقله وملكاته وأحواله المتعلقة بوهمه وتعارض العقل والوهم في بعثه على الأعمال إذ قد سبق أن الوهم لا يخضع للعقل مطلقا كما مر من مثال مذكور هناك أن الميت جماد والجماد لا يخاف منه فالميت لا يخاف منه. هذا حكم العقل، والوهم يتأبي جدا لغلبة الخوفوالخوف من توابع الوهم فيغلب العقل ونقول الإنسان بالنسبة إلى الإعتقادات الدينية التي يجب المعرفة بها إما أن يكون ملتفتا أو غير ملتفت غافل فإن كان غير ملتفت أصلا فهو مستضعف كمن لم يسمع أن في المسلمين خلافا في الإمامة.
ثم الملتفت أما أن تحرى واجتهد للوصول إلى الحق أو قصر لعذر أو لغير عذر فبقى على الشك. والمجتهد للوصول إلى الحق ربما لم يجد دليلا فبقى على الشك أيضا، وربما وجد دليلا هداه إلى الباطل، وربما وجد دليلا هداه إلى الحق، والذي وجد دليلا هداه إلى الحق قد يكون سالما عن معارضة الأوهام فيلتزم بالحق ويدين به وقد يعارض أوهام تمنعه من متابعة الحق أصلا أو في الجملة كما كان يمنع التنفر من الميتوالخوف منه أن يذعن بأن الميت جماد لا يخاف منه، فهذه مبادى وأصول يجعل الإنسان في منزلة بين الإيمان المحض والكفر المحض وبالجملة المستضعف من لم يلتفت حتى يجتهد وهو معذور. والضال من التفت واجتهد واطلع على دليل مغالطي هداه إلى الباطل فإن كان راجعا إلى أصل الدين فهو كافر وإلا فهو ضال، والمرجون لأمر الله جماعه تعارض أوهامهم وعقولهم ومنعهم هواهم وشهواتهم وعاداتهم الخبيثة وتماديهم في الباطل أن يدينوا للحق الذي عرفوه ويلتزموا به كل الالتزام وأمرهم إلى الله، وأصحاب الأعراف جماعة اتفق لهم حالتان مدة حياتهم تارة غلبت شهواتهم وتارة غلبت عقولهم، خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا والفرق بينهم وبين المرجين لأمر الله أن هؤلاء لم يغلب عقلهم على هواهم بل دامت المعارضة واستمر الخلاف بينهما إلى آخر عمرهم ولم يصروا على الكفر والضلال أيضا، وصنوف أهل الخلاف جماعة خالفوا مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في أمر من الامور كالجبرية والخوارج، والمؤلفة قلوبهم جماعة كانوا في معرض أن يخرجوا من الدين لغلبة أوهامهم أو يدخلوا في الدين لغلبة عقولهم فيعطون من المال لتضعيف أوهامهم; لأن حب المال من القوة الواهمة فإذا وجدت الواهمة ما يرضيها لم يعارض العقل في متابعة الدين، ومن يعبد الله على حرف هو نظير المؤلفة مبتلى بمعارضة الوهم أن أصابه خير اطمأن به وثبت في إسلامه وإن اصابته فتنة دعته والواهمة إلى ترك العقل ولا ريب أن الحب والبغض والخوف والطمأنينة وأمثال ذلك كلها من أفعال الواهمة وإن استحسن بعضها العقل.
ثم أعلم أن غالب هذه الأقسام مما لا يمكن أن يترتب عليها حكم فقهى في الدنيا إذ هي امور باطنة في القلب لا يطلع عليها إلا الله ويجازيهم في الآخرة على حسب ما يعلم من استحقاقهم والناس مأمورون بالظاهر وما يمكن إطلاعهم عليه، وكل هؤلاء المظهرين للإسلام محكومون بالطهارة، وأخطأ زرارة في أمرين الأول أنه نفي الواسطة بين الإيمان والكفر في الآخرة وقاسه على الدنيا واجرى حكم الفقه في جميع امور الدين، الثاني أنه حكم بكفر هذه الوسائط مطلقا ودل الحديث الأول السابق في باب الضلال على إصابة محمد بن مسلم.
وهذه الفرق والأقسام غير الفرق التي لهم عقائد ممهدة مدونة وجماعة متظاهرة متناصرة وآراء معلومة مضبوطة وأسماء مشهورة كالزيدية والأشاعرةوالمعتزلة وغيرهم، فإنهم يعرفون بالانتحال إلى فرقتهم وليسوا مما لا يطلع أحد على باطنهم إلا الله.
نعم لا يحكم بكفر أحد وضلاله ما لم يسمع مذهبه من لفظه، ولا يكفي في ذلك انتحاله إلى طائفة، فرب أشعري لا يلتزم ببعض أصولهم ومعتزلي كذلك والانتحال إليهم باعتبار الاتفاق في أغلب القواعد أو الظاهر المهم منها، وكم من شافعي خالف الشافعي في بعض فتاواه، وهنا فرق ليس لهم اختصاص بدين ومذهب أصلا ولا يمكن الحكم فيهم بشيء أصلا بصرف الانتحال كالصوفية والفلاسفة فهم بمنزلة الشاعر والنحوى يوجد فيهم الشيعي والسني والنصراني واليهودي. بل يوجد في الفلاسفة المشرك والملحد كما يوجد فيهم المسلم الإمامي الاثنا عشري ولا يصح جعل هذه الفرق بمنزلة ما ورد في الروايات من فرق المخالفين والوسائط بين الإيمان والكفر. (ش)