وقد تلحظ أصالة كمقام الافتاء والشهادة واظهار الحياة والفضل، بل قد عرفت مما حققناه ان القصد والعناية إنما تتعلق بالنسب فان المقصود في القضايا إنما هو إفادة الاسناد الثابت فيها.
واما نفس الموضوع والمحمول فمع قطع النظر عن وصف الاسناد لا يتعلق به غرض أصلا كما هو ظاهر، ولذا خص المعنى الذي هو محل العناية والقصد في كلام مولانا أمير المؤمنين (ع) بالحرف وما ذكره من أن النسبة الابتدائية في قولك: سرت من البصرة مغفول عنها لأنك تخبر عن السير الخاص حينئذ في غير محله لان الاخبار عن السير الخاص اخبار عن ثبوت السير له على وجه مبدئية البصرة له، فالخاص بخصوصية مقصود للمتكلم فكيف تكون الخصوصية مغفولا عنها.
نعم هناك نسبتان تامة وهي مفاد هيئة الفعل وناقصة تقييدية وهي مفاد للفظة من في المثال المزبور والنسبة التامة مقصودة أصالة واما الناقصة فهي مقصودة تبعا لها بمقتضى كونها قيدا للتامة لا انها مغفول عنها وتوطئة لأمر آخر.
مع أنه لو سلم كون النسب الناقصة التقييدية مغفولا عنها وان قوام المعنى الحرفي به لزم أن تكون النسب التامة معاني اسمية، فيلزم أن تكون النسبة المستفادة من هيئة الفعل معنى اسميا إذا كانت تامة ومعنى حرفيا إذا كانت ناقصة كان ضرب مثلا، وأن تكون الابتداء والاختصاص والاستعلاء والظرفية في قولك سيرى من البصرة والمال لزيد وزيد على السطح وبكر في الدار معاني اسمية في الأمثلة المزبورة لأنها حينئذ تامة لا ناقصة، ولذا يكون المجرور بالحرف فيها خبرا عما قبله وبطلان اللوازم بين على أنه قد يكون المعنى الحرفي الموجد في عالم اللفظ مقصودا بالأصالة لاتحاد وجوده الخارجي مع وجوده في عالم اللفظ، كمعاني حروف النداء فان النداء مقصود أصالة ولا يكون توطئة لنداء آخر.