في الكر، كما هو المفروض بخلاف المسألة السابقة فان ملاقاة النجاسة مع الماء معلوم اجمالا وحصولها في حال القلة أو الكثرة مجهول فلا يرجع الشك في أحد طرفيه إلى الشك البدوي، لعدم انحلال العلم الاجمالي حينئذ.
والحاصل ان العلم التفصيلي بوجود النجس في الكر اخرج أحد طرفي الترديد وهي الملاقاة حال الكرية عن الشبهة فتخص الشبهة حينئذ بملاقاتها قبل الكرية ويكون الشك فيها شكا بدويا مجرى لأصالة عدم الملاقاة، بخلاف المسألة السابقة فإنه لم يحصل العلم التفصيلي فيها بأحد الطرفين حتى تخص الشبهة بالطرف الاخر وينحل العلم الاجمالي.
وقد اشتبه الامر في هذا المقام على كثير ممن عاصرناه فزعموا أن هذه المسألة من فروع المسألة السابقة والحكم فيهما واحد. ولقد أجاد من لم يجعله من متفرعات المسألة السابقة وجعله مسألة أخرى وان اشتبه عليه الامر في تشريكهما في الحكم.
فان قلت: ملاقاة النجاسة مع الكر من حيث البقاء معلوم تفصيلا ولكن حدوثها غير معلوم الا على وجه الاجمال وكما يحتمل أن يكون في حال كثرة الماء فكذلك يحتمل أن يكون في حال قلته ولا مرجح في البين والكلام إنما هو في الحدوث.
قلت: إذا كانت الملاقاة مستندة إلى وجود النجس في الماء وكان وجوده متيقنا مع الكر ولا اثر لحدوث ملاقاة النجس مع الكر غير ما يترتب على وجوده فيه ينحل العلم الاجمالي حينئذ ويؤخذ بحكم المعلوم تفصيلا ولا يعتد باحتمال الحدوث قبل ذلك. الا ترى انه لو رأى الشخص منيا في ثوبه وعلم بأنه احتلم ولم يعلم بأنه احتلم في البارحة أو قبلها يقتصر على القدر ولا يعتد باحتمال حدوثه قبل وهكذا الحال في نظائرها. والسر فيه ما بيناه من انحلال العلم الاجمالي ورجوعه إلى الشك البدوي حينئذ.