حتى يغنى ذكر السميع عن ذكر العليم فيتعلق بذكر العليم فائدة جديدة فكان ما قلناه أولى مع ما أنا لا نسلم أن سماع الطلاق يقف على ذكر الطلاق بحروفه ألا ترى ان كنايات الطلاق طلاق وهي مسموعة وان لم يكن الطلاق مسموعا مذكورا بحروفه وكذا طلاق الأخرس فلم يكن من ضرورة كون الايلاء طلاقا التلفظ بلفظ الطلاق فلا يقف سماع صوت الطلاق عليه وقوله لفظ الايلاء لا يدل على الطلاق ممنوع بل يدل عليه شرعا فان الشرع جعل الايلاء طلاقا معلقا بشرط البر فيصير الزوج بالاصرار على موجب هذه اليمين معلقا طلاقا بائنا بترك القربان أربعة أشهر كأنه قال إذا مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيها فأنت طالق بائن عرفنا ذلك بإشارة النص وهو قوله تعالى وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم سمى ترك الفئ في المدة عزم الطلاق وأخبر سبحانه وتعالى انه سميع للايلاء فدل ان الايلاء السابق يصير طلاق عند مضى المدة من غير فئ وبما ذكرنا من المعنى المعقول وأما صفته فقد قال أصحابنا ان الواقع بعد مضى المدة من غير فئ طلاق بائن وقال الشافعي إذا خير بعد انقضاء العدة فاختار الطلاق فهي واحدة رجعية بناء على أصله ان الطلاق بعد مضى المدة يقع بايقاع مبتدإ وهو صريح الطلاق فيكون رجعيا (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى عن عثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم انهم قالوا إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة ولان الطلاق إنما يقع عند مضى المدة دفعا للظلم فلا يندفع الظلم عنها الا بالبائن لتتخلص عنه فتتمكن من استيفاء حقها من زوج آخر ولا يتخلص الا بالبائن ولان القول بوقوع الطلاق الرجعي يؤدى إلى العبث لان الزوج إذا أبى الفئ والتطليق يقدم إلى الحاكم ليطلق عليه الحاكم عنده ثم إذا طلق عليه الحاكم يراجعها الزوج فيخرج فعل الحاكم مخرج العبث وهذا لا يجوز وأما قدره وهو قدر الواقع من الطلاق في الايلاء فالأصل ان الطلاق في الايلاء يتبع المدة لا اليمين فيتحد باتحاد المدة ويتعدد بتعددها في قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر يتبع اليمين فيتعدد بتعدد اليمين ويتحد باتحادها ولا خلاف في أن المعتبر في حق حكم الحنث هو اليمين فينظر إلى اليمين في الاتحاد والتعدد لا إلى المدة وجه قول زفر ان وقوع الطلاق ولزوم الكفارة حكم الايلاء والايلاء يمين فيدور الحكم مع اليمين فيتحد باتحادها ويتعدد بتعددها لان الحكم يتكرر بتكرر السبب ويتحد باتحاده (ولنا) ان الايلاء إنما اعتبر طلاقا من الزوج لمنعه حقها في الجماع في المدة منعا مؤكدا باليمين إذ به يصير ظالما والمنع يتحد باتحاد المدة فيتحد الظلم فيتحد الطلاق ويتعدد بتعددها فيتعدد الظلم فيتعدد الطلاق فاما الكفارة فإنها تجب لهتك حرمة اسم الله عز وجل والهتك يتعدد بتعدد الاسم ويتحد باتحاده وعلى هذا الأصل مسائل إذا قال لامرأته مرة واحدة والله لا أقربك فلم يقربها حتى مضت المدة بانت بتطليقة واحدة وان قربها لزمه كفارة واحدة لاتحاد المدة واليمين جميعا ولو قال لها في مجلس واحد والله لا أقربك والله لا أقربك والله لا أقربك فان عنى به التكرار فهو ايلاء واحد في حق حكم الحنث والبر جميعا حتى لو مضت أربعة أشهر ولم يقربها بانت بتطليقة واحدة ولو قربها في المدة لا يلزمه الا كفارة واحدة لان مثل هذا يذكر للتكرار في العرف والعادة فإذا نوى به تكرار الأول فقد نوى ما يحتمله كلامه فيصدق فيه وان لم تكن له نية فهو ايلاء واحد في حق حكم البر في قول أصحابنا الثلاثة وثلاث في حق حكم الحنث بالاجماع حتى لو مضت أربعة أشهر ولم يقربها بانت بتطليقة واحدة في قول أصحابنا الثلاثة ولو قربها في المدة فعليه ثلاث كفارات بالاجماع وعند زفر هو ثلاث ايلاءات في حق حكم الحنث والبر جميعا وينعقد كل ايلاء من حين وجوده فإذا مضت أربعة أشهر ولم يفئ إليها بانت بتطليقة ثم إذا مضت ساعة بانت بتطليقة أخرى ثم إذا مضت ساعة أخرى بانت بتطليقة واحدة أخرى وان قربها في المدة فعليه ثلاث كفارات وأصل هذه المسألة ان من قال لامرأته إذا جاء غد فوالله لا أقربك قاله ثلاثا فجاء غد يصير موليا في حق حكم البر ايلاء واحدا عندنا وعنده يصير موليا ثلاث ايلاءات في حق حكم الحنث وان أراد به التغليظ والتشديد فكذلك في قول أبي حنيفة وأبي يوسف انه ايلاء واحد في حق حكم البر استحسانا وعند محمد وزفر هو ثلاث في حق البر والحنث جميعا وهو القياس
(١٧٧)