يحرم الميراث لما قلنا كذا هذا ولأبي حنيفة ان عمومات النكاح تقتضي الجواز من غير فصل بين ما إذا شرط فيه الاحلال أو لا فكان النكاح بهذا الشرط نكاحا صحيحا فيدخل تحت قوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره فتنتهي الحرمة عند وجوده الا أنه كره النكاح بهذا الشرط لغيره وهو أنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهو السكن والتوالد والتعفف لان ذلك يقف على البقاء والدوام على النكاح وهذا والله أعلم معنى الحاق اللعن بالمحلل في قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلل والمحلل له وأما الحاق اللعن بالزوج الأول وهو المحلل له فيحتمل أن يكون لوجهين أحدهما أنه سبب لمباشرة الزوج الثاني هذا النكاح لقصد الفراق والطلاق دون الابقاء وتحقيق ما وضع له والمسبب شريك المباشر في الاسم والثواب في التسبب للمعصية والطاعة والثاني أنه باشر ما يفضى إلى الذي تنفر منه الطباع السليمة وتكرهه من عودها إليه من مضاجعة غيره إياها واستمتاعه بها وهو الطلقات الثلاث إذ لولاها لما وقع فيه فكان الحاقه اللعن به لأجل الطلقات والله عز وجل أعلم وأما قول أبى يوسف ان التوقيت في النكاح يفسد النكاح فنقول المفسد له هو التوقيت نصا ألا ترى أن كل نكاح مؤقت فإنه يتوقت بالطلاق وبالموت وغير ذلك ولم يوجد التوقيت نصا فلا يفسد وقول محمد انه استعجال ما أجله الله تعالى ممنوع فان استعجال ما أجله الله تعالى لا يتصور لان الله تعالى إذا ضرب لأمر أجلا لا يتقدم ولا يتأخر فإذا طلقها الزوج الثاني تبين ان الله تعالى أجل هذا النكاح إليه ولهذا قلنا إن المقتول ميت بأجله خلافا للمعتزلة ومنها الدخول من الزوج الثاني فلا تحل لزوجها الأول بالنكاح الثاني حتى يدخل بها وهذا قول عامة العلماء وقال سعيد بن المسيب تحل بنفس العقد واحتج بقوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والنكاح هو العقد وإن كان يستعمل في العقد والوطئ جميعا عند الاطلاق لكنه يصرف إلى العقد عند وجود القرينة وقد وجدت لأنه أصاف النكاح إلى المرأة بقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره والعقد يوجد منها كما يوجد من الرجل فاما الجماع فإنه يقوم بالرجل وحده والمرأة محله فانصرف إلى العقد بهذه القرينة فإذا وجد العقد تنتهى الحرمة بظاهر النص ولنا قوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والمراد من النكاح الجماع لان النكاح في اللغة هو الضم حقيقة وحقيقة الضم في الجماع وإنما العقد سبب داعى إليه فكان حقيقة للجماع مجازا للعقد مع ما انا لو حملناه على العقد لكان تكرارا لان معنى العقد يفيده ذكر الزوج فكان الحمل على الجماع أولى بقي قوله إنه أضاف النكاح إليها والجماع مما تصح اضافته إلى الزوجين لوجود معنى الاجتماع منهما حقيقة فأما الوطئ ففعل الرجل حقيقة لكن إضافة النكاح إليها من حيث هو ضم وجمع لا من حيث هو وطئ ثم إن كان المراد من النكاح في الآية هو العقد فالجماع يضمر فيه عرفنا ذلك بالحديث المشهور وضرب من المعقول أما الحديث فما روينا عن عائشة رضي الله عنه ا ان رفاعة القرظي طلق امرأته ثلاثا فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت إن رفاعة طلقني وبت طلاقي فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير ولم يكن معه الا مثل هدبة الثوب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك وعن ابن عمر وأنس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ولم يذكر قصة امرأة رفاعة وهو ما روى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل وهو على المنبر عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها غيره فأغلق الباب وأرخى الستر وكشف الخمار ثم فارقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر وأما المعقول فهو ان الحرمة الغليظة إنما تثبت عقوبة للزوج الأول بما أقدم على الطلاق الثلاث الذي هو مكروه شرعا زجرا ومنعا له عن ذلك لكن إذا تفكر في حرمتها عليه الا بزوج آخر الذي تنفر منه الطباع السليمة وتكرهه انزجر عن ذلك ومعلوم ان العقد بنفسه لا تنفر عنه الطباع ولا تكرهه إذ لا يشتد على المرأة مجرد النكاح ما لم يتصل به الجماع فكان الدخول شرطا فيه ليكون زجرا له ومنعا عن ارتكابه فكان الجماع مضمرا في الآية الكريمة كأنه قال عز وجل حتى تنكح زوجا غيره
(١٨٨)