الأصل نوعان استثناء وضعي واستثناء عرفي أما الوضعي فهو أن يكون بلفظ موضوع للاستثناء وهو كلمة الا وما يجرى مجراها نحو سوى وغير وأشباه ذلك وأما العرفي فهو تعليق بمشيئة الله تعالى وأنه ليس باستثناء في الوضع لانعدام كلمة الاستثناء بل الموجود كلمة الشرط الا انهم تعارفوا اطلاق اسم الاستثناء على هذا النوع قال الله تعالى إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون أي لا يقولون إن شاء الله تعالى وبينه وبين الأول مناسبة في معنى ظاهر لفظ الاستثناء وهو المنع والصرف دون الحقيقة فأطلق اسم الاستثناء عليه وبعض مشايخنا قال الاستثناء نوعان استثناء تحصيل واستثناء تعطيل فسمى الأول استثناء تحصيل لأنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا والثاني تعطيلا لما أنه يتعطل الكلام به وأما الكلام في بيان ماهية كل نوع أما النوع الأول فهو تكلم بالباقي بعد الثنيا وهذه العبارة هي المختارة دون قولهم استخراج بعض الجملة الملفوظة لان القدر المستثنى اما أن يدخل بعد نص المستثنى منه واما أن لا يدخل فإن لم يدخل لا يتصور الاخراج وان دخل يتناقض الكلام لان نص المستثنى منه يثبت ونص الاستثناء ينفى ويستحيل أن يكون الحكم الواحد في زمان مثبتا ومنفيا ولهذا فهم من قوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما ما ذكرنا حتى يصير في التقدير كأنه قال فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما لا معنى الاخراج لئلا يؤدى إلى الخلف في خبر الله تعالى (وأما) النوع الثاني فهو تعليق بالشرط إذا كان مما يتوقف عليه ويعلم وجوده ينزل المعلق عند وجوده وإن كان مما لا يعلم لا ينزل وهذا النوع من التعليق من هذا القبيل لما نذكره إن شاء الله تعالى (وأما) شرط صحته فلصحة الاستثناء شرائط بعضها يعم النوعين وبعضها يخص أحدهما أما الذي يعمهما جميعا فهو أن يكون الاستثناء موصولا بما قبله من الكلام عند عدم الضرورة حتى لو حصل الفصل بينهما بسكوت أو غير ذلك من غير ضرورة لا يصح وهذا قول عامة الصحابة رضي الله عنهم وعامة العلماء لا شيئا روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ان هذا ليس بشرط ويصح متصلا ومنفصلا واحتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأغزون قريشا ثم قال بعد سنة إن شاء الله تعالى ولو لم يصح لما قال ولان الاستثناء في معنى التخصيص لان كل واحد منهما بيان ثم التخصيص يصح مقارنا ومتراخيا فكذا الاستثناء يجب أن يكون متصلا ومنفصلا ولنا أن الأصل في كل كلام تام بنفسه فإن كان مبتدأ وخبرا أن لا يقف حكمه على غيره والوقف عند الوصل لضرورة وهي ضرورة استدراك الغلط والضرورة تندفع بالموصول فلا يقف عند عدم الوصل ولهذا يقف على الشرط المنقطع فكذا على الاستثناء المنقطع ولأنه عند عدم الوصول ليس باستثناء لغة لان العرب لم تتكلم به ومن تكلم به لا يعدونه استثناء بل يسخرون منه وبهذا تبين أن الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما لا تكاد تصح لأنه كان اماما في اللغة كما كان اماما في الشريعة وأما التخصيص المتراخي فعند بعض مشايخنا ليس ببيان بل هو فسخ فلا يلزم وعند بعضهم بيان لكن الحاق البيان بالمجمل والعام الذي يمكن العمل بظاهره متراخيا مشهور عندهم وانه كثير النظير في كتاب الله عز وجل وأما الحديث ففيه أنه قال بعد تلك المقالة بسنة إن شاء الله تعالى وليس فيه انه قصد به تصحيح الاستثناء فيحمل انه أراد به استدراك الاستثناء المأمور به في الكتاب العزيز قال عز وجل ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله أي الا أن تقول إن شاء الله فنسي ذلك فتذكره بعد سنة فأمر باستدراكه بقوله سبحانه وتعالى واذكر ربك إذا نسيت ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام أضمر في نفسه أمرا وأراد في قلبه وعزم عليه فأظهر الاستثناء بلسانه فقال إن شاء الله ومثل هذا معتاد فيما بين الناس فلا يصح الاحتجاج به مع الاحتمال هذا الذي ذكرنا إذا كان الفصل من غير ضرورة فاما إذا كان لضرورة التنفس فلا يمنع الصحة ولا يعد ذلك فصلا الا أن يكون سكتة هكذا روى هشام عن أبي يوسف لان هذا النوع من الفصل مما لا يمكن التحرز عنه فلا يعتبر فصلا ويعطى له حكم الوصل للضرورة وأما كون الاستثناء مسموعا فهل هو شرط ذكر الكرخي انه ليس بشرط حتى لو حرك لسانه وأتى بحروف الاستثناء يصح وان لم يكن مسموعا وذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني أنه شرط ولا يصح الاستثناء بدونه وجه ما ذكره الكرخي ان الكلام هو الحروف المنظومة
(١٥٤)