وجود الموصوف فثبت كون هذا اللفظ من ألفاظ الطلاق بالشرع فيتبع مورد الشرع والشرع ورد به مع قرينة الفراق نصا أو دلالة أو قرينة النفس فان اختيار الفراق مضمر في قوله تعالى ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها بدليل ما يقابله وهو قوله وان كنتن تردن الله ورسوله فدل على اضمار اختيار الفراق كأنه قال إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها مع اختيار فراق الرسول صلى الله عليه وسلم فكان ذلك تخييرا لهن بين ان يخترن الحياة الدنيا وزينتها مع اختيار فراق الرسول صلى الله عليه وسلم وبين ان يخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكن مختارات للطلاق لو اخترن الدنيا أو كان اختيارهن الدنيا وزينتها اختيار الفراق ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن معه الدنيا وزينتها والصحابة رضي الله عنهم جعلوا للمخيرة المجلس وقالوا إذا اختارت نفسها في مجلسها وقع الطلاق عليها فهذا مورد الشرع في هذا اللفظ فيقتصر حكمه على مورد الشرع فإذا قال لها اختاري فقال اخترت لا يقع به شئ لأنه ليس في معنى مورد الشرع فيبقى الامر فيه على أصل القياس فلا يصلح جوابا ولان قوله اختاري معناه اختاري إياي أو نفسك فإذا قالت اخترت فلم تأت بالجواب لأنها لم تختر نفسها ولا زوجها لم يقع فيه شئ وإذا قال لها اختاري نفسك فقالت اخترت فهذا جواب لأنها أخرجته مخرج الجواب كقوله اختاري نفسك فينصرف إليها كأنها قالت اخترت نفسي وكذا إذا قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي لما ذكرنا ان معنى قوله اختاري أي اختاري إياي أو نفسك وقد اختارت نفسها فقد أتت بالجواب وكذا لو قالت أختار نفسي يكون جوابا استحسانا والقياس ان لا يكون جوابا لان قولها أختار يحتمل الحال ويحتمل الاستقبال فلا يكون جوابا مع الاحتمال وجه الاستحسان ان صيغة افعل موضوعة للحال وإنما تستعمل للاستقبال بقرينة السين وسوف على ما عرف في موضعه وكذا إذا قال اختاري اختاري فقالت اخترت فيكون جوابا وان لم يوجد ذكر النفس من الجانبين جميعا لان تكرار الاختيار دليل إرادة اختيار الطلاق لأنه هو الذي يقبل التعدد كأنه قال اختاري الطلاق فينصرف الجواب إليه وكذا إذا قال اختاري اختيارة فقالت اخترت اختيارة فهو جواب لان قوله اختيارة يفيد معنيين أحدهما تأكيد الامر والثاني معنى التوحد والتفرد فالتقييد بما يوجب التفرد يدل على أنه أراد به التخيير فيما يقبل التعدد وهو الطلاق وإذا قال لها اختاري الطلاق فقالت اخترت فهو جواب لأنه فوض إليها اختيار الطلاق نصا فينصرف الجواب إليه وكذا إذا قال لها اختاري فقالت اخترت الطلاق لان معنى قوله اختاري أي اختاري إياي أو نفسك فإذا قالت اخترت الطلاق فقد اختارت نفسها فكان جوابا ولو قال لها اختاري فقالت اخترت أبى وأمي أو أهلي والأزواج فالقياس ان لا يكون جوابا ولا يقع به شئ وفي الاستحسان يكون جوابا وجه القياس انه ليس في لفظ الزوج ولا في لفظ المرأة ما يدل على اختيارها نفسها فلا يصلح جوابا وجه الاستحسان ان في لفظها ما يدل على الطلاق لأن المرأة بعد الطلاق تلحق بأبويها وأهلها وتختار الأزواج عادة فكان اختيارها هؤلاء دلالة على اختيارها الطلاق فكأنها قالت اخترت الطلاق (وأما) الواقع بهذه الألفاظ فإن كان التخيير واحدا ولم يذكر الثلاث في التخيير فلا يقع الاطلاق واحد وان نوى الثلاث في التخيير ويكون بائنا عندنا إن كان التفويض مطلقا عن قرينة الطلاق وقال الشافعي إذا أراد الزوج بالتخيير الطلاق فاختارت نفسها ونوت الطلاق يقع واحدة رجعية وهذا مذهبه في الامر باليد أيضا وقد اختلفت الصحابة رضي الله عنهم فيمن خير امرأته فاختارت زوجها أو اختارت نفسها قال بعضهم ان اختارت زوجها لا يقع شئ وهو قول عمر وعبد الله بن مسعود وأبى الدرداء وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وروى عن علي رضي الله عنه انها إذا اختارت زوجها يقع تطليقة رجعية والترجيح لقول الأولين لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك طلاقا وعن مسروق عن عائشة رضي الله عنها انها سئلت عن الرجل يخير امرأته يكون طلاقا فقالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان طلاقا ولان التخيير اثبات الخيار في الفراك والبقاء على النكاح واختيارها زوجها دليل الاعراض عن ترك النكاح والاعراض عن
(١١٩)