له:
" أما بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة، فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان! وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجهه فنل منه.
ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به، ويستضئ بنور علمه.
ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه.
ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهى من عفصة مقرة ". إلى أن قال: " ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع،... " (1).
إن الحكومة الإسلامية تتجلى في مرآة وجود حاكم كان مركز حكمه بالكوفة، وكان يمنعه احتمال وجود من لا عهد له بالشبع بالحجاز أو اليمامة من أن يمد يده إلى لذيذ الطعام، ولا أعد لبالي ثوبه طمرا، ولا حاز من أرض الدنيا شبرا، وهكذا كان قوته وملبسه ومسكنه في الدنيا، لئلا يكون أحسن معيشة من أفقر أفراد رعيته.
لقد طبق (عليه السلام) العدالة في أطراف مملكته، بحيث أنه لما رأى درعه عند يهودي، وقال له: " درعي سقطت عن جمل لي أورق ". فقال اليهودي: درعي وفي يدي، ثم قال له اليهودي: بيني وبينك قاضي المسلمين، فأتوا شريحا، فلما رأى عليا قد أقبل تحرف