التي حرمها الله عليه عند صومه، ويتنزه جهده مع ذلك في عمله وفي سره وجهره عن المحارم التي نهاه الله عنها حتى في غير الصوم، يكن حريا بنيل القرب من الله - سبحانه - واكتساب الأجر الكبير الذي وعد الله به الصائمين، وتكن نفسه جديرة بالارتفاع في مراتب التقوى والورع حتى تبلغ الغاية التي تطمح إليها، والتي مرن نفسه ومرن إرادته عليها طوال صومه وطوال شهره.
وإذا أضاف إلى ذلك ما يكتسبه من عطاء شهره العظيم في إقامته فيه للصلاة وتلاوته للكتاب وقراءته للدعاء ومواظبته على الاستغفار، وفي سائر تعبداته لله، وصدقاته ومبراته في الشهر الذي يتضاعف فيه أجر العمل، ويغفر فيه الزلل، حصل له من مجموع ذلك نبع من الخير لا ينضب ومدد لا ينقطع. فإذا واصل السير في طريقه الذي اتخذه، ودأب على السعي فيه بعد انقضاء الصوم وانتهاء الشهر ارتقى في السلم مرتبة بعد مرتبة ودرجة بعد درجة، كما يقول سبحانه في كتابه:
(والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)، وكما يقول: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا).
ومن الواضح أتم الوضوح أن هذا المكلف الصائم المحافظ بمنتهى جهده على سلامة صومه وسلامة دينه لا يستوي منزلة مع المكلف الآخر الذي يمسك عن المفطرات المحظورة في الصوم كما ذكرنا، ولكنه يطلق لنفسه أن يرتكب غيرها من المحارم والمآثم التي لم تحكم ظواهر الشريعة بأنها من المفطرات.
ومن أمثلة ذلك: من يصوم عن المفطرات الظاهرة، ولكنه لا يبالي أن ينظر النظرة المحرمة أو يرتكب الغيبة الخبيثة أو النميمة المهلكة أو يفتري الكذبة الفاحشة أو يفعل الفعلة الآثمة أو يتعاطى المعاملة المحرمة أو يسمع أخاه أو قريبه أو أهله الكلمة النابية أو القولة الجارحة أو يفعل الفعلة السوآى.
وصحة الصوم بحسب ظواهر الشريعة لا تعني أبدا أن الصوم مقبول عند الله يؤتي ثماره الطيبة ويؤدي نتاجه المحمود.
وما ظنك بعبد يمسك عن منهيات الصوم من المباحات والمحرمات ليرضي ربه بهذه العبادة، ثم يرتكب تلك الجرائر أو بعضها؟! وماذا يبقى له إذا وضعت الأعمال في كفتي الميزان؟! ومن المضحك المبكي أن يقول مع ذلك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ولا فارق في نتيجة الأمر بين أن يرتكب الحرام في يوم صومه أو في ليله،