مكروهاته وعن جميع فضول الحديث ومشتبهاته وما لا يحمد ولا يحسن منه، فيعتصم عن جميع ذلك بالصمت، وبالعبادة وتلاوة الكتاب وقراءة الدعاء، والذكر والاستغفار، أو بالقول النافع المجدي في الدين والدنيا.
وصوم السمع أن يصون المكلف جارحته عن الإصغاء لأي محرم وباطل وأي إفك وزور وأي قول منكر أو فعل مكروه أو مشتبه، ولأي سفه يوجب استماعه للمرء حزازة في الدين أو نقصا في المروءة، أو ضعة في النفس أو في الخلق.
وهكذا في صوم بصره وسائر جوارحه ومشاعره، فيصونها عن الانحراف أو الشذوذ أو الميل في السلوك الصحيح وعن كل ما يخدش ويريب، ويتجه بها جميعا إلى النافع المجدي من الحركات والأعمال الزكية.
وما ظنك بعبد يطوع جميع جوارحه في صومه هذا التطوع، ويحوطها هذه الحياطة، ويسمو بعقله وقلبه ونفسه ومشاعره هذا السمو، فهل يبقى مجال من مجالات الخير الأعلى والكمال الإنساني الرفيع، لا يستطيع هذا العبد بلوغه؟ وهل تبقى غاية من غايات النفوس الكريمة لا يستطيع إدراكها؟.
ولهذه الدرجة كذلك مراتب تحصل من دقة مراقبة المرء لنفسه ومحاسبته إياها عما قد تميل إليه أو تنزلق فيه في بعض المواقف أو إزاء بعض الأهواء المرغوبة.
ولا ضير على السالك إذا ضعف يوما أو ساعة، أو قصر أو قهر في بعض المجاهدات، وكان ضعفه أو قصوره في ما لا يضر بدينه - كما هو المفروض -، ولا سيما إذا عاد فثابر قويا في مجاهدته ومحاسبته، وقد يكون بعد عودته ومثابرته أقوى جلدا على الجهاد والمحاسبة منه قبل ذلك، وقد يكون بعد عودته ومصابرته في الجهاد أرفع منزلة وأكثر سموا وارتفاعا منه قبل، ولكن المنازل تكون مختلفة على أي حال.
وأرقى درجات الصوم وأسماها شأنا ومقاما هو صوم الصفوة المنتجبة الخالصة من النبيين صلى الله عليه وآله وأوصيائهم المعصومين (ع)، وصوم هذه الطبقة المصطفاة، هو أن يصون الصائم منها عقله وقلبه ونفسه ومشاعره، وسره وعلانيته عن الفكر بغير الله، بل وعن الغفلة عنه، والنسيان والتناسي لمواعيده،