وعن التعلق بغير سببه، والشغل بغير طاعته وموجبات رضاه، وعن التباطؤ في إقامة حدوده وأداء حقوقه وحقوق عباده.
وهو في الحقيقة مظهر كامل من مظاهر العصمة في هذه النفوس المطهرة من الأرجاس ومجلى من مجالي الانشداد الكلي بالله وحده، الذي اختصت به هذه القمة من الخلق، الذين اختارهم الله قادة للإنسانية إلى الخير الأعلى والكمال الأرفع، وجعلهم أولياء لها في جميع الأمور، والله أعلم حيث يجعل رسالته وحيث يجعل اصطفاءه واجتباءه، فصلوات الله عليهم أجمعين وعلى أرواحهم وأجسادهم صلاة تعمنا وجميع أتباعهم المؤمنين والمؤمنات باللطف والرحمة، وتشملنا بالهدى والبركة، وتنير منا البصائر وتطهر لنا الضمائر.
وقد يرتقي بعض الخاصة من أتباع الأنبياء والأوصياء بطول الجهاد والمران وشدة المحاسبة للنفس، ودقة المراقبة عليها، فيسيرون في سبيل ساداتهم وقادتهم، ويتبعون رشدهم، حتى يصلوا بنفوسهم وقلوبهم وعقولهم ومشاعرهم إلى أرقي مراتب العدالة، وحتى يبلغوا في صومهم وصلواتهم وعباداتهم إلى أسمى منازل القرب من الله.
ولكن العدالة المكتسبة غير العصمة، والتابع غير القائد المتبوع، والكامل المتزايد في الكمال، غير الناقص المتكامل، والمستضئ بنور غيره غير المضئ المنير، والله سبحانه هو مؤتي كل نفس ما هي له أهل وموفيها جزاء ما كسبت من منزلة ومن ثواب أو عقاب.
ومن الأحاديث الجامعة في معاني الصوم وآدابه، ما رواه جراح المدائني عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع)، قال: (إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده، إنما للصوم شرط يحتاج أن يحفظ حتى يتم الصوم، وهو الصمت الداخل، إلى أن قال (ع): فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا، ولا تماروا، ولا تكذبوا، ولا تباشروا ولا تخالفوا ولا تغاضبوا ولا تسابوا ولا تشاتموا ولا تنابزوا ولا تجادلوا ولا تبادوا ولا تظلموا، ولا تسافهوا ولا تزاجروا، ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة والزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق، ومجانبة أهل الشر، واجتنبوا قول الزور والكذب والمراء والخصومة، وظن السوء، والغيبة