فلو قيل كما قد يقال: بأنه في عصر غيبة الإمام المنتظر لا يجب على المسلمين تأسيس دولة إسلامية مجرية لحدود الإسلام وأحكامه، بل هو عصر الهرج والمرج وإن طال الزمان، والإسلام أهمل أمر الناس فيه أو فوض أمورهم إلى الجبابرة والطغاة حتى يظهر الإمام المنتظر - عجل الله تعالى فرجه الشريف -! فلا محالة كان على أئمتنا - عليهم السلام - أن يحللوا الأنفال والأموال العامة للأنام ولا أقل للمسلمين وبالأخص لشيعتهم المتعبدين، فنحن نقطع بتحليلها حينئذ إجمالا وإن فرض عدم وجود أخبار تدل عليه، إذ لا يمكن بقاؤهم وإدامة حياتهم بدونها، نعم لا يصح تحليلهم المطلق لسهام الأصناف الثلاثة من السادة بعد ما حرموا من الزكاة وعوضهم الله عنها بالخمس.
وأما إذا قلنا كما هو الحق بأن الإسلام الذي هو عندنا دين كامل كافل لسعادة الدارين لا يهمل أمور الناس في السياسة والاقتصاد ولا يرضى بالهرج والمرج ولو ساعة، الحكومة والدولة لا بد منها في إدامة الحياة وإجراء أحكام الإسلام وحدوده في المجالات المختلفة، كما صرح بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له في الخوارج: " هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وإنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر. " (1) وروي عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: " أسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم. " (2) وفي صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " بني الإسلام على خمسة أشياء:
على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. " قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: " الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن. " (3)