فإذا ثبت هذا نظرت: فإن لم يخالف ذلك فلا كلام، وإن خالف لم يخل من أحد أمرين: إما أن يخالف في البيع أو في الشراء.
فإن خالف في البيع فباع عينا من أعيان المال نسيئا أو دون ثمن المثل، أو بغير نقد البلد، فالبيع باطل لأنه باع مال غيره بغير حق، فإن كان المبيع قائما رده، وإن كان تالفا كان لرب المال أن يضمن من شاء منهما، يضمن العامل لأنه تعدي، ويضمن المشتري لأنه قبض عن يد ضامنه، فإن ضمن المشتري لم يرجع على العامل لأن التلف في يده فاستقر الضمان عليه، وإن ضمن العامل رجع العامل على المشتري لهذا المعنى أيضا.
وإن كان الخلاف في الشراء لم يخل من أحد أمرين: إما أن يذكر العامل رب المال حين الشراء أو لا يذكره، فإن لم يذكره تعلق العقد به، وكان المبيع له دون رب المال وتعلق الثمن بذمته، وإن ذكر أنه يشتريه لرب المال، قيل فيه وجهان: أحدهما يصح العقد، ويكون الشراء له كما لو أطلق، وقال آخرون: إنه باطل لأنه عقد لغيره وإذا لم يضح لذلك الغير بطل، وهذا الوجه أولى.
العامل في القراض أمين في ما في يديه كالوكيل لأنه يتصرف في مال المالك باذنه كالوكيل، وينظر: فإن ادعى العامل تلف المال في يده كان القول قوله لأنه أمين، وإن ادعى رده إلى مالكه فهل يقبل قوله؟ فيه قولان: أحدهما وهو الصحيح أنه يقبل قوله، وفي الناس من قال: لا يقبل قوله.
وجملته أن الأمناء على ثلاثة أضرب: من يقبل قوله في الرد قولا واحدا، ومن لا يقبل قوله في الرد قولا واحدا، ومختلف فيه، والأصل فيه أن من قبض الشئ لمنفعة مالكه قبل قوله في رده وهو المودع والوكيل، وكل من قبض الشئ ومعظم المنفعة له لم يقبل قوله في الرد قولا واحدا كالمرتهن والمكتري، وكل من قبض العين ليشتركا في الانتفاع فعلى وجهين، كالعامل في القراض والوكيل بجعل والأجير المشترك إذا قلنا قبضه قبض أمانة.