وصلاحهم صلاحا لما سواهم، ولا صلاح من سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فإن شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة، أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش، خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم. ولا يثقلن عليك شئ خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم وتبججك باستفاضة العدل فيهم، معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من اجمامك لهم، والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الأرض من اعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لاشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر) (1).
وقد عرفت سابقا اطلاق لفظ الخراج في صدر الإسلام على الجزية كثيرا والعكس وقلنا إنهما متقاربان في المعنى، شأنهما شأن لفظي الفقير والمسكين إذا افترقا اجتمعا، وإن شككت في ذلك فلا شبهة في تساوي حكمهما في المقام.
وقوله عليه السلام: (علة) أي علة سماوية أضرت بثمرات الأرض، وقوله: (بالة) أي ما يبل الأرض من ندى ومطر، وقوله (إحالة أرض) أي تحويلها البذور إلى الفساد بالتعفن، وقوله: (اغتمرها) أي عمها من الغرق فغلبت عليها والرطوبة حتى صار البذر فيها ذا رائحة خمة وفساد.
وقوله " أجحف العطش " أي أتلفها وذهب بمادة الغذاء من الأرض فلم ينبت.
والتبجج: السرور بما يرى من حسن عمله في العدل. والاعواز: الفقر والحاجة (2).