مائة وثمانون درجة كل درجة تسعة عشر فرسخا تقريبا لا طول لأولها من جهة المغرب كما لا عرض للواقع منها في الوسط وكلما أوغلت في المشرق زاد الطول أو في الشمال زاد العرض، فالدرجة في الأول سبعة عشر بعد ما كانت تسعة عشر في الأصل فقد ظهر التفاوت بين الأصل والإقليم الأول بفرسخين وكذا ينقص في الثاني فتكون بخمسة عشر فيه وثلاثة عشر في الثالث وعشرة في الرابع وسبعة في الخامس وخمسة في السادس وثلاثة في السابع بحسب القسي، فعلى هذا كلما زاد عرض بلد فاعلم أنه شمالي أو طوله فشرقي وبالعكس فان عرض الإقليم يعتبر من الجنوب إلى الشمال والطول من المغرب إلى المشرق وهذا التفاوت يعلم به الحر والبرد فان البلاد النهارية قد خربت لاحتراق ما عليها من الحيوان والنبات بتوالي الشمس والليلية بالبرد فلا كلام فيهما. وأما أهل خط الاستواء فهم أعدل على الاطلاق كما اختاره أبقراط وجالينوس في أحد قوليه وأفرد الشيخ رسالة في ذلك كما حكاه العلامة في الشرح لان التأثيرات في الكائنات عن الشمس والقمر بتقدير الواحد تعالى ونسبتهما إليهم متساوية فإذا كانت الشمس جنوبا منهم كان الواصل إليهم من تسخينها بقدر البرد الواصل من الشمال وبالعكس فهم أبدا في اعتدال وقال كثير من أهل الصناعة إنهم أشد الناس حرا ورطوبة لكثرة المسامتة للشمس وتوالى الأمطار وفى النفس من هذا شئ وسنستقصيه في الهيئة.
وأما اختلاف الأقاليم من جهات أخر ككثرة المياه والجبال فاعلم أن حد الأول عند خط الاستواء حيث يكون ارتفاع القطب اثنى عشر درجة وثلاثة أرباع وساعات نهاره في نهاية الطول كذلك والطول مائة وعشرين وفى وسطه يزيد ارتفاع القطب ثلاثة أرباع درجة والساعات ربع ساعة وفى آخره يتم ارتفاع القطب عشرين ونصفا والساعات ثلاث عشرة وربع، وفيه عشرون جبلا شامخة منها ما طوله ألف فرسخ وثلاثون نهرا كذلك وخمسون مدينة وأوله من المشرق الساحل ثم يبتدئ بالسرنديب وجنوب الصين ووسط الهند فالحبشة والزنج إلى الشحر وعمان فاليمن إلى القلزم ونهايته أقصى المغرب فكله حار كثير الرطوبة لما فيه من الماء قليل الهواء بكثرة الجبال وأهله ضعاف الأرواح نحاف الأبدان سود الألوان أمراضهم تكون غالبا بسوء الهضم لبرد بواطنهم وضعف تحليلهم ومداواتهم تكون بالأشياء الحارة غالبا ومن ثم كثيرا ما يصرح حكماؤهم ببرد الفلفل ويتداوون به في الحميات وبالحلتيت وكل منفذ بحره كالكركم والعسل والمازي لضيق عروقهم ومن ثم من ذرعه القئ منهم مات لوقته وكذا من جمع بين الأفيون والشيرج ويمكنهم الامساك عن المآكل أزمنة طويلة حتى إن الجوكية منهم يتروحون فيسمعون كلام النبات ليالي شرف الشمس، وأمراضهم الحميات والصداع والعرق المديني وهم أطول الناس أعمارا وأبطؤهم شيبا وأقلهم نكاحا وحسنا وهو لزحل فلذلك لون أهله السواد البالغ وغبرة. وحد الثاني من المشرق إلى المغرب ثمانية آلاف وستمائة ميل وعرضه أربعمائة وعشرون، وحده الأول كانتهاء الأول فارتفاع القطب وطول النهار أو وسطه فارتفاع القطب فيه أربع وعشرون درجة وعشر ونهاره ثلاث عشرة ساعة ونصف وآخره يرتفع القطب فيه سبعا وعشرين درجة ونصفا ونهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة وثلاثة أرباع وأنهاره وجباله من كل سبعة عشر وفيه وسط الصين وشماله السرنديب والهند ووسط كابل وقندهار وجنوب مكران وبحر فارس والقلزم وشمال الحبشة وجنوب صعيد مصر ونيلها وإفريقية والبربر وجنوب القيروان إلى البحر وأهله كثير واليبس مما يلي الأول والرطوبة في الآخر معتدلون في الوسط وكله مفرط