الطبيب هي أوقات التغير من حالة إلى غيرها في الزمان والهواء لا ما تقصده أهل النجوم من انتقال الشمس في أرباع الدائرة، وذلك التغيير مختلف بحسب الأقاليم ضرورة بل بحسب أوضاع البلد الواحدة فمن ثم مست حاجة الطب إليه، أما هو في نفسه فليس به حاجة إلى الطب إذا عرفت هذا فنقول: قد أكثر الناس في الكلام على تقسيم الجغرافيا في التواريخ والمجسطي وشعبوه شعبا كثيرة نذكر منها هنا صميم العلم المحتاج إليه ثم نشير إلى الباقي في مواضعه من الاحكام والنجوم والفلك والهندسة والهيئة إن شاء الله تعالى (قد تقرر) أن أصح المساكن ما ارتفع منفتحا إلى الجهات طيب التربة غير مجاور للضحاضح والمناقع والمعاطن والجبال والرمال ونحو الزاجات وما عدا ذلك ففساده بحسب ما يخالطه من المذكورات وأن لكل طارئ حكما يختلف التأثير باختلافه وأن من موجبات الاعتدال توالى الفصول صحيحة بطبائعها لتكسب السكان موجباتها كأن تقرب الشمس أو تسامت أرضا فتوجب التسخين ويدوم المطر فيوجب الترطيب في الربيع ويرتفع الأمران معا فيلزم الضد في الخريف أو تسامت الشمس فتوجب التسخين ويرتفع المطر فيوجب التجفيف في الصيف وبالعكس في الشتاء ويكون ذلك إما خمسة وأربعين يوما أو ضعفها كما في الاستواء وغيره ولى القولين فالاحكام مضبوطة في مثل هؤلاء وكل ما خصت به الفصول يصير معلوما عند من استحكم ما ذكر وهذا الامر ظاهر في الرابع والخامس وبعض الثالث، ويختص الشتاء فيها بالجدى والدلو والحوت عكس الحبشة والزنج فان الشتاء عندهم السرطان والأسد والسنبلة وهذا على الأغلب من المواضع المذكورة فمن علم هذا علم أن مصر تخالف ما ذكر فان زيادة الماء فيها يبدأ من رأس الانقلاب الصيفي حتى يعم أرضها بعد التدريج في الاعتدال فترطب حيث يجف غيرها مع الحر والبرد فان صادف مطر الشتاء استمرت الرطوبة وصار صيفها ربيعا وخريفها وشتاؤها وربيعها شتاء وعدمت فصل الصيف والخريف وإلا كان شتاؤها خريفا وكذا الربيع وهذا اختلاف فاحش يوجب ما فيها من فرط الرطوبات ولوازم ذلك من فساد الأدمغة وكثرة الاستسقاء وكبر الأنثيين إلى غير ذلك وإذ قد تبين أن اختلاف البلدان مستند إلى وضعها وما يجاورها من مياه وجبال وتراكم عمارة فلنبين أحوال الأقاليم في ذلك ليكون عمدة للطبيب في علاج تلك السكان (فنقول) قد اتفق أهل هذه الصناعة على أن الماء قد ستر ثلاثة أرباع الأرض وأن المنكشف منها هو الربع الشمالي لكونه كالتضريس في الكرة والماء ثقيل يطلب الوهدات بطبعه فلذلك لم يقف عليه ويسمى المعمور والمسكون لا لكونه كذلك كله بالفعل بل لقبوله ذلك وأنهم قسموا هذا الربع سبعة أقسام سموا كل قسم إقليما وصفته كبساط مد من المشرق إلى المغرب وذلك بالضرورة يمر على مدن وأنهار وجبال وبر وبحر وبعضها أطول من بعض فتختلف باختلاف ذلك في البعد عن خط الاستواء ويسمى هذا عرض البلد وعن وسط العمارة ويسمى طولها وعن طرف دائرة المعدل ويسمى الميل كما سيأتي في الهيئة وهذا الاختلاف المذكور يختل بسببه العلاج والتراكيب وغالب أحكام الطب كما أسلفنا في القواعد، ثم الاختلاف المذكور يحد بتفاوت ساعات الدور فإنك إذا تأملت وجدت البلاد مع الزمان ثلاثة أقسام، فان الزمان إما نهارا فقط وهو في كل ما جاوز ستا وستين درجة أو ليلا فقط وهو فيما يقابله أو هما وهو فيما بين ذلك والثالث قسمان أحدهما كل مكان تتنصف فيه الدورة أبدا وهو خط الاستواء وسنة هؤلاء ثمانية فصول لتساوى الشمس في الابعاد من الجهتين إليهم وثانيهما مالا يتنصف فيه الزمان إلا في رأسي الحمل والميزان ولا ينتهى فيه التغير إلا في رأسي السرطان والجدى وهو باقي المسكون وحده من أقصى المغرب المعروف بجزائر الخالدات إلى ساحل المحيط ومساحتها
(٨٨)