تذكرة أولى الألباب - الشيخ داود الأنطاكي - ج ٢ - الصفحة ٨٨
الطبيب هي أوقات التغير من حالة إلى غيرها في الزمان والهواء لا ما تقصده أهل النجوم من انتقال الشمس في أرباع الدائرة، وذلك التغيير مختلف بحسب الأقاليم ضرورة بل بحسب أوضاع البلد الواحدة فمن ثم مست حاجة الطب إليه، أما هو في نفسه فليس به حاجة إلى الطب إذا عرفت هذا فنقول: قد أكثر الناس في الكلام على تقسيم الجغرافيا في التواريخ والمجسطي وشعبوه شعبا كثيرة نذكر منها هنا صميم العلم المحتاج إليه ثم نشير إلى الباقي في مواضعه من الاحكام والنجوم والفلك والهندسة والهيئة إن شاء الله تعالى (قد تقرر) أن أصح المساكن ما ارتفع منفتحا إلى الجهات طيب التربة غير مجاور للضحاضح والمناقع والمعاطن والجبال والرمال ونحو الزاجات وما عدا ذلك ففساده بحسب ما يخالطه من المذكورات وأن لكل طارئ حكما يختلف التأثير باختلافه وأن من موجبات الاعتدال توالى الفصول صحيحة بطبائعها لتكسب السكان موجباتها كأن تقرب الشمس أو تسامت أرضا فتوجب التسخين ويدوم المطر فيوجب الترطيب في الربيع ويرتفع الأمران معا فيلزم الضد في الخريف أو تسامت الشمس فتوجب التسخين ويرتفع المطر فيوجب التجفيف في الصيف وبالعكس في الشتاء ويكون ذلك إما خمسة وأربعين يوما أو ضعفها كما في الاستواء وغيره ولى القولين فالاحكام مضبوطة في مثل هؤلاء وكل ما خصت به الفصول يصير معلوما عند من استحكم ما ذكر وهذا الامر ظاهر في الرابع والخامس وبعض الثالث، ويختص الشتاء فيها بالجدى والدلو والحوت عكس الحبشة والزنج فان الشتاء عندهم السرطان والأسد والسنبلة وهذا على الأغلب من المواضع المذكورة فمن علم هذا علم أن مصر تخالف ما ذكر فان زيادة الماء فيها يبدأ من رأس الانقلاب الصيفي حتى يعم أرضها بعد التدريج في الاعتدال فترطب حيث يجف غيرها مع الحر والبرد فان صادف مطر الشتاء استمرت الرطوبة وصار صيفها ربيعا وخريفها وشتاؤها وربيعها شتاء وعدمت فصل الصيف والخريف وإلا كان شتاؤها خريفا وكذا الربيع وهذا اختلاف فاحش يوجب ما فيها من فرط الرطوبات ولوازم ذلك من فساد الأدمغة وكثرة الاستسقاء وكبر الأنثيين إلى غير ذلك وإذ قد تبين أن اختلاف البلدان مستند إلى وضعها وما يجاورها من مياه وجبال وتراكم عمارة فلنبين أحوال الأقاليم في ذلك ليكون عمدة للطبيب في علاج تلك السكان (فنقول) قد اتفق أهل هذه الصناعة على أن الماء قد ستر ثلاثة أرباع الأرض وأن المنكشف منها هو الربع الشمالي لكونه كالتضريس في الكرة والماء ثقيل يطلب الوهدات بطبعه فلذلك لم يقف عليه ويسمى المعمور والمسكون لا لكونه كذلك كله بالفعل بل لقبوله ذلك وأنهم قسموا هذا الربع سبعة أقسام سموا كل قسم إقليما وصفته كبساط مد من المشرق إلى المغرب وذلك بالضرورة يمر على مدن وأنهار وجبال وبر وبحر وبعضها أطول من بعض فتختلف باختلاف ذلك في البعد عن خط الاستواء ويسمى هذا عرض البلد وعن وسط العمارة ويسمى طولها وعن طرف دائرة المعدل ويسمى الميل كما سيأتي في الهيئة وهذا الاختلاف المذكور يختل بسببه العلاج والتراكيب وغالب أحكام الطب كما أسلفنا في القواعد، ثم الاختلاف المذكور يحد بتفاوت ساعات الدور فإنك إذا تأملت وجدت البلاد مع الزمان ثلاثة أقسام، فان الزمان إما نهارا فقط وهو في كل ما جاوز ستا وستين درجة أو ليلا فقط وهو فيما يقابله أو هما وهو فيما بين ذلك والثالث قسمان أحدهما كل مكان تتنصف فيه الدورة أبدا وهو خط الاستواء وسنة هؤلاء ثمانية فصول لتساوى الشمس في الابعاد من الجهتين إليهم وثانيهما مالا يتنصف فيه الزمان إلا في رأسي الحمل والميزان ولا ينتهى فيه التغير إلا في رأسي السرطان والجدى وهو باقي المسكون وحده من أقصى المغرب المعروف بجزائر الخالدات إلى ساحل المحيط ومساحتها
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع في تفصيل أحوال الأمراض الخ 2
2 حرف الألف 8
3 فصل في حال الدليل 24
4 فصل في أحكام القرآن 31
5 فصل في ذكر ما يومى اليه الكسوف والخسوف من الدلالة الخ 32
6 فصل في تقرير المبادي ووجه التعلق باستخراج الضمائر وارتباط العوالم الخ 33
7 فصل في خصوصيات الأدلة باعتبار الكواكب 35
8 فصل في أحوال الضمير والخلاف فيه 35
9 حرف الباء 38
10 الفصل الأول في صفة البيطار 51
11 الفصل الثاني في آلاته 51
12 الفصل الثالث في موضوع هذه الصناعة ومباديها وما يجب أن يعرفه الخ 52
13 الفصل الرابع فيما يختار منها وذكر عمرها وما يستدل به على سنها وغير ذلك 52
14 فصل ولما كان التشريح من أهم ما يجب أن يعرفه الطبيب قبل طب الإنسان الخ 3 5 فصل في الأخلاق السيئة في الحيوان الخ 54
15 فصل في ذكر أشياء تجري مجرى الفراسة من الإنسان الخ 55
16 فصل وإذ قد فرقنا من جزء العلم في هذه الصناعة فلنقل في عملها ما فيه كفاية الخ 56
17 فصل في علاج سمومها وذكر ما زاد على الإنسان 60
18 فصل في المختار من أدوية العين الخ 60
19 خاتمة تشتمل على ذكر ما يجري هنا مجرى الجزئيات من طب الإنسان 60
20 حرف الجيم 70
21 فصل ينبغي لمن أراد التلذذ به الميل بأغذيته إلى الحار الرطب الخ 72
22 (جغرافيا) 87
23 حرف الدال 91
24 حرف الهاء 101
25 هندسة 104
26 فصل في السطوح 106
27 فصل في الأشكال 106
28 فصل قد تقرر في قاطيغوريا أن السطح الخ 106
29 حرف الواو 110
30 حرف الزاي 114
31 حرف الحاء 121
32 فصل في ذكر الأدوية الموجبة للحبل 145
33 حرف الطاء 150
34 (طلسمات) 154
35 فصل في تشعبات أهل هذه الصناعة 156
36 فصل في الشروط الخاصة ملتقطة من كلام الرازي 157
37 فصل فيما يخص كل كوكب وبرج الخ 157
38 فصل في الأعمال وتدريجها إلى الكمال 160