هنا سوف لا يختلف منا اثنان حول الجواب الذي سنسمعه، بل يمكننا أن نضع الجواب مقدما، متفقين على أنه من المسلمات التي لا خلاف فيها.
وهذه الملاحظة وحدها تكفي لأن تضعنا أمام الحقيقة كلها، وتكفي لأن تبعث فينا الاستغراب لهذا التجافي والتنافر الحاصل بيننا، كما تسمح لنا هذه الملاحظة أيضا أن نطرح مزيدا من الأسئلة اللازمة، لنقترب أكثر نحو الموضوعية كلما استطعنا أن نزيح شيئا من دواعي الانحياز الوهمية المتراكمة فينا.
ولنبدأ بالسؤال حول الانحياز نفسه، والعصبية ذاتها:
فهل سيرضى أحدنا لو وجد آخر يتعصب ضده من غير دواع حقيقية، وبدون أن يتعرف على حقيقة مواقفه وآرائه؟
فإذا كان الجواب بالنفي بديهيا لدى هذا الشخص، فماذا نتوقع أن يكون موقف أشخاص محايدين، نفترض أنهم يراقبون هذا المشهد قطعا إنهم سيؤاخذون المتعصب على تعصبه.
إذن، فعند الجميع كان التعصب لذاته شيئا ممقوتا.
أفلا يكون من التناقض إذن أن نحمل بين جوانحنا أشياء نمقتها لدى الآخرين، ونمقتها بالأصل؟!
فلماذا لا نكون إذن على مستوى تقبل الطرح العلمي والموضوعي الذي يتناول شيئا من مواقفنا تجاه الأشياء والقضايا المبدئية، وتجاه بعضنا؟
وماذا في الأمر؟ فما دام الطرح موضوعيا وعلميا، فإنه سيثبتنا على ما نحن عليه، إن وافقنا الأصل والصواب، أو أنه سيرشدنا إلى ما هو أحق وأهدى، إن لم نكن قد وافقناه.
ألسنا جميعا من دعاة الحق، وطلابه؟
ولكن السر كله يمكن ها هنا، فثمة حقيقة نستطيع أن نطلق عليها: