جيل، ولكن انتصار اليقين والحق المجرد على العاطفة هو العزيز في تلك التجارب.
ولست من الذين يرون أن هزيمة اليقين أمام العاطفة هو من أثر العصبية وحدها، فربما يكون ذلك ولكن ربما تكون هذه العاطفة وفاء للذكريات الجميلة التي لا يشك صاحبها في صفائها، وربما يجتمع الأمران معا.
والوفاء لذاته ممدوح، بعكس العصبية..
فكثيرا ما يقف المرء على حقيقة كان يعتقد بخلافها، ولكن لعقيدته هذه في قلبه قدسية أحيانا، فينبعث عن هذه القدسية سؤال يقول: أحقا أن هذا المفهوم الذي عشت أقدسه لا أصل له، وأن الصواب في المفهوم الآخر الذي يأباه قلبي وتنفر منه نفسي؟!
هذه هي العصبية، وكم صدت فحولا عن مواصلة الطريق نحو الحقيقة الثابتة..
إن العصبية تمنح كثيرا من المفاهيم هالة قدسية، لكنها سراب لا حقيقة لها.. وأصعب شئ على من يقدس أمرا أن يقال له: إن الذي تقدسه سراب!!
وثمة نوع آخر من العاطفة يشد المرء إلى الوراء..
إنه الوفاء للذكريات.. فلم لا وقد أمضى أيام شبابه وهو في ذروة الحماس الديني، مع ثلة من إخوانه المؤمنين، تزدان مجالسهم بالذكر والبحث الصادق النقي الذي لا تشوبه شائبة من رياء أو مكابرة؟
إنه ليعشق تلك الذكريات عشقا لا تتخلله سهام الطعن، فإذا ما واجهته الحقيقة بغير ما كان يرى ثار شوقه إلى تلك الذكريات وتأجج عشقه لها، فينبعث من بين الشوق والعشق سؤال يمض الفؤاد: أحقا كانت مجالسنا تلك قد تخللها شئ من الأوهام؟!
إنه لا يريد أن يشك في ذلك الماضي الجميل!!
وهذا هو الوفاء للذكريات..
ولقد كنت للعصبية عدوا حيثما واجهتني، غلبتها أو غلبتني، أما الذكريات فقد آخيتها وأحسنت صحبتها حتى النهاية، وقد جعلتها في فقرات من هذا الكتاب بمثابة صديق لي أحاوره فيستجيب لي ولو همسا.
وقد أعانني على ذلك كونها ذكريات واضحة لم تختلط في ذهني.. وكونها زاخرة