بعلامات استفهام كانت تثيرها العقول في ساعات انطلاقاتها، فتخترق بحريتها أسوار القداسة، ثم تترك السؤال حائرا، وقلما وجدت له جوابا مقنعا وشافيا..
ورأيت أثناء رحلتي أن الوفاء للذكريات لا ينبغي أن يكون عاطفيا، فربما ينعكس أثره فلا يكون عندئذ وفاء.. وإنما المطلوب من الوفاء أن يكون وفاء علميا إن صح التعبير.
من هنا وجدت لزاما علي أن أسجل تجربتي بكل أمانة، لتكون بين الأيدي تجربة جاهزة تختزل الكثير من عناء هذا الطريق الطويل، وتقدم حلولا للكثير من تلك الأسئلة الحائرة..
فوضعت هذا الكتاب..
قد حاولت أن أحفظ فيه أشواط رحلتي مرتبة كما كانت في الواقع، بعيدا عن التكلف..
إثارات أولية، ثم عودة إلى نقاط البدء، فحوار بين حقيقة تهدي إليها الإثارة وموقف مسبق إزاء هذه الحقيقة.. وقد اتخذ هذا الحوار ثلاثة أشكال:
- حوار مع قطب من الأقطاب الذين تبنوا ذلك الموقف ودافعوا عنه، وقد قدمت لهذا دائما بذكر اسم الرجل وكتابه.
- حوار مع الذكريات، فإذا حاورتها سميتها (صديقي)، أو تكلمت بضمير الخطاب.
- حوار مع حدث ثابت من الأحداث، أو مفهوم من المفاهيم.
فتكشف عن كل ذلك أن ثم نسيجا غليظا نسجه التاريخ حول كثير من الحقائق، وهالة مصطنعة أضفاها على كثير من الرجال والمفاهيم، وليس لذلك أساس في الدين ولا واقع في التاريخ.
ووضعت ذلك في فصول اكتفيت فيها بالقليل من شواهد التاريخ، وأغضيت عن كثير منها خشية الإطالة مرة، ولكراهة الغوص في أغوار بعض الأحداث المؤلمة أكثر من القدر الكافي مرة أخرى.
وقد قدمت له بمقدمتين:
الأولى: حول طبيعة الانتماء المذهبي، وأثره في قضية الوحدة بين المسلمين.