أن يستشهد بمثال، أو يأتي بمصاديق على دعواه، مال على الجانب الآخر، مسجلا نماذج من حملات بعض رجالهم ضد المذهب الذي ينتمي إليه هو، فكأنه يريد أن يقول: إن أولئك هم أساس هذه النزاعات، وهم الذين يؤججون نار الفتنة بين المسلمين، ولم يكن أصحابه هو إلا مدافعين عن مذهبهم المستهدف!
وهكذا يمارس دوره من جديد في إثارة النزاع بما يثيره من ردود فعل سلبية لدى الأطراف الأخرى، فيضيف حلقة أخرى إلى مسلسل النزاعات!
بينما كان الأجدر به - حين يلجأ إلى مثل هذا الاستشهاد - أن ينتخب نموذجا من حملات أصحابه هو ضد المذاهب الأخرى، فيردها، ويبعدها عن ساحة القبول، وبهذا يكون قد أعطى نموذجا صادقا ورائعا في هذا المضمار، وقدم مثالا لروحية عالية تترفع على الأهواء والعصبيات، وتميل بصدق لتحقيق التآلف بين أبناء هذه الأمة الواحدة.
ذلك بحق إنسان في القمة، وما أحوجنا إليه في كل مكان وزمان.
إن تلك الروحية العالية وحدها هي التي تحقق أثرا إيجابيا يرجى أن يؤتي ثماره على طريق التقارب والتفاهم والحوار العقلاني الواعي، الذي سيزيدنا قوة ويوفر بيننا مستوى من الانسجام والاتحاد لا يقل عن درجة الاحساس الصادق بالارتباط المصيري، والاتحاد العقيدي. وسيعيننا هذا الفهم، بل سيدفعنا إلى التعرف على بعضنا من جديد، بروح أخوية نزيهة، ويزودنا برغبة صادقة في البحث عن الحقائق الناصعة المبرأة من كل ما تراكم من غبار زمن طويل، ملئ بالنزاعات والتخاصم، وتبادل التهم والشتائم و...
وبمثل هذه الصيغة يمكننا أن نتوصل إلى جذور تلك الحواجز النفسية، وخلفيات هذا التشنج، وتلك العصبيات المقيتة.
فلقد بلغت بنا تلك العصبيات حدا بالغ الخطورة، حتى صار تعصبنا لأي شئ ألفناه هو أشد ألف مرة من استعدادنا للتمسك بالحكم الشرعي الثابت.