لقد شربناها متعطشين، وارتشفناها والهين، ولكنها كانت مشبعة بتلك الهالة المصطنعة، التي أوصدت علينا منافذ الحرية.
إني - يا صديقي - قد ورثت مثلكم تلك القناعات، ولم أكن آلف سواها، بل إني مما يخالفها لحذر نفور.
ولست أنسى كم كنا نحاول الغوص في أعماقها، حتى إذا تغلغلنا يسيرا، اصطدمنا بذلك الحاجز الموهوم، لنرتد على أدبارنا القهقرى!
فكم مرة بلغنا - والحرقة تكوي قلوبنا، والدمعة لها بريق في أعيننا - أن نقول: إن الإمام عليا كان مظلوما.
لقد قلناها كلنا غير مرة، ولكننا لم نتمكن - لما في أنفسنا من حواجز - أن نستغرق النظر، لنعرف مسؤولياتنا تجاه ذلك الظلم، وتلك الظلامة!
لقد أنستنا تلك الحواجز أننا مؤمنون، علينا أن نتحرى الحق فنتبعه، ونلتزم الموقف السليم الذي ينجو بنا يوم الموقف العسير!
ورجائي أن لا أكون مؤاخذا عندك إن قلتها، فهي حقيقة حاكمة مهما حاولنا التنكر لها، إنها العصبية والكبرياء، هي التي تحجبنا عن تبني الموقف الشرعي أينما وجدناه.
ولسنا أول المنهزمين أمامها، فلقد قهرت من هم أشد منا قوة، وأكثر جمعا!
ولعل من بينهم: أبو حامد الغزالي، الذي قال مرة - معتقدا بصحة ما يقول -:
ولكن أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته صلى الله عليه وآله وسلم في يوم غدير خم، باتفاق الجميع، وهو يقول:
" من كنت مولاه فعلي مولاه ".
فقال عمر: بخ بخ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
فهذا تسليم، ورضى، وتحكيم. ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة