مباينتها لشعر أبي تمام ونفسه، وطريقته ومذهبه في القريض، ألا ترى أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه، لمباينتها لمذهبه في الشعر، وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئا كثيرا: لما ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه، ولا من شعره، وكذلك غيرهما من الشعراء، ولم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصة؟
وأنت إذا تأملت (نهج البلاغة) وجدته كله ماء واحدا، ونفسا واحدا، وأسلوبا واحدا، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفا لباقي الأبعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز، أوله كأوسطه، وأوسطه كآخره، وكل سورة منه، وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور، ولو كان بعض (نهج البلاغة) منحولا وبعضه صحيحا، لم يكن ذلك كذلك، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلام (1).
هذا، وقد أصدر الشيخ عبد الزهراء الخطيب كتابا مفصلا في تحقيق نصوص نهج البلاغة، وإحصاء مصادرها، في أربعة مجلدات - وأسماه: " مصادر نهج البلاغة وأسانيده " وقد استوفى فيه الكثير مما يتعطش له الباحثون.
بعد هذه المقدمة التوثيقية حول (نهج البلاغة) وإثبات نسبته إلى الإمام علي عليه السلام فلتكن لنا جولة في ربوعه، لنقتطف منها ما ذكره الإمام عليه السلام حول حقه في الإمامة.
وقد انتخبنا عشر فقرات من كلامه عليه السلام في هذا الكتاب، ووضعناها في قسمين:
القسم الأول: في معرفة الإمام والخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله