فتنوا بجعفر بن محمد! فهيئ له من مسائلك الصعاب.
فهيأت له أربعين مسألة، ثم أتيت أبا جعفر، وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر - إلى أن قال - فقال لي أبو جعفر: هات من مسائلك.
فابتدأت أسأله، فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا. فربما تابعنا، وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعا، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة.
ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس (1)؟
فلماذا إذن لا يؤخذ الفقه من أفضل الناس، وأعلمهم، وأعلمهم باختلاف الناس؟ دع عنك الخلاف في أمر الإمامة، وإن بايعوا من بايعوا ووالوا من والوا، ولكن هذه مسائل الفقه، والحلال والحرام، فما الذي يمنع أن نأخذها من أعلم الناس!
أليست السياسة هي التي صنعت هذا الجفاء؟
أم لم يصح التعبد طبق مذهبهم عليهم السلام؟!
فحتى إذا لم نلتفت إلى كل ما جاء بحقهم عليهم السلام من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وشهادات معاصريهم، فإن بيننا اليوم من فتاوى المتأخرين ما يمكن اللجوء إليه، فقد أفتى شيوخ الأزهر - ابتداء من الشيخ محمود شلتوت - بجواز التعبد طبق مذهب جعفر الصادق عليه السلام.
ولو لم تكن السياسة، وشهوة " السلطان " هي التي صنعت هذا، فهل