أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم (1).
وإذا قلنا في الأبحاث السابقة أن أبا بكر وعمر قد أحرقا السنة النبوية المكنونة ومنعا المتحدثين من نقلها، فها هو أبو هريرة يفصح بهذا الحديث عن المكنون ويؤكد ما ذهبنا إليه، ويعترف بأنه ما كان يحدث إلا بما يروق الخلفاء الحاكمين.
وعلى هذا الأساس فإن أبا هريرة كان يملك كيسين أو وعاءين أحدهما كان يبثه وهو الذي تحدثنا عنه وفيه ما يشتهيه الحاكمون.
وأما الوعاء الثاني الذي كتمه أبو هريرة ولم يحدث به خوفا من أن يقطع بلعومه فهو الذي يحوي الأحاديث الصحيحة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولو كان أبو هريرة ثقة ما كان ليكتم الأحاديث الحقيقية ويبث الأوهام والأكاذيب لتأييد الظالمين، وهو يعلم بأن الله لعن من يكتم البينات.
فقد أخرج له البخاري قوله: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديا، ثم تلو: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وإن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلوم النبي يشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون (2) فكيف يقول أبو هريرة: لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يقول هنا حفظت عن رسول الله وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الوعاء الثاني لو بثثته قطع هذا البلعوم! وهل هذه إلا شهادة منه بأنه كتم الحق رغم الآيتين في كتاب الله؟!