فتمردت بعض الحكومات على هذا الوضع وأعلنت أنها لا دينية، فاتجه البابا بقراره إلى الرعايا بعد أن عجز عن إخضاع الحكومات، وفي العصر الحديث نجد البابا يساوم بهذه السلطة التي بيده، فقد حدث أن قابل البابا رئيس إحدى الدول الشرقية وطلب البابا من هذا الرئيس السماح لعدد أكبر من المبشرين بدخول بلاده، ووعده نظير ذلك أن يضمن له ولاء المسيحيين بهذه البلاد، وقد أثار هذا التصريح ثائرة المواطنين بهذا القطر عندما أدركوا أن ولاء المسيحيين من مواطنيهم إنما هو في يد رئيس كنيسة روما.
ويعد من أصدق القول ما كتبه الأستاذ زكي شنودة في تعليقه على (المجامع) ونحن نقتبسه فيما يلي:
(كانت هذه المجامع في بداية أمرها وسيلة للدفاع عن الإيمان المسيحي، ثم لم تلبث أن أصبحت بعد ذلك أداة في يد الإمبراطور، لتنفيذ أغراضه، مستغلا في ذلك مطامع بعض الأساقفة وطموحهم إلى الجاه والنفوذ والسلطان، وهكذا أصبحت المجامع أداة هدم بعد أن كانت أداة بناء، وقد فتحت الباب على مصراعيه للخصومة والشقاق بين المسيحيين في البلاد المختلفة (1)).
ولعل من المفيد هنا أن نترجم فصلا قصيرا من كتاب (تعاليم الكنيسة الكاثولوكية) لنعرف بوضوح مكان الكنيسة عند المسيحيين، وكيف أن سلطان كنيسة روما انساب إلى الكنائس الأخرى، ليس فقط في الاجتهاد والتشريع وشرح الكتاب المقدس وغيرها مما احتفظت به كنيسة روما لنفسها، بل في وجوب طاعة المسيحيين للأساقفة والآباء الروحانيين دون تفكير، كما يطيعون الله وكما أطاع عيسى أباه على حد قولهم، ومن العجيب أن المسيحيين جعلوا عيسى إلها، ثم جعلوا الأساقفة في مقام عيسى أي أحلوهم أيضا محل الآلهة، فمقام الآلهة عندهم سهل الوصول، ومن العجيب كذلك أن بعض من وضع في هذا الموضع من آباء الكنيسة انحرف وحكمت عليه الكنيسة بالحرمان،