والنفس العامة (الروح القدس) ويتزعم الاتجاه الآخر بعض القسس في مقدمتهم مقدونيوس أسقف القسطنطينية، وقد أعلن هذا أن الروح القدس ليس بإله ولكنه مخلوق مصنوع كما أعلن الأسقف أوسابيوس إنكار وجود الأقانيم الثلاثة وقال إن للثالوث ذاتا واحدة وأقنوما واحدا، وكان ذلك الخلاف داعيا لعقد مجمع جديد يبت في الأمر، أو قل كان الأوان قد آن ليكمل إعلان الثالوث، فعقد الإمبراطور تاءوديوس الكبير مجمع القسطنطينية سنة 381 ولم يحضره إلا مائة وخمسون أسقفا، وفي هذا المجمع أعلن حرمان الأسقفين السابقين، وأسقط كل منهما من رتبته، ثم قدم بطريرك الإسكندرية قياسا على هيئة الأقيسة المنطقية، ولكنه في الحقيقة بعيد عنها، فمقدماته غير مسلم بها، ونتائجه غير مرتبة ولا مبنية بالضرورة على المقدمات، وهاهو:
(ليس روح القدس عندنا بمعنى غير روح الله، وليس روح الله شيئا غير حياته، فإذا قلنا إن روح القدس مخلوق فقد قلنا إن روح الله مخلوق، وإذا قلنا إن روح الله مخلوقة، قلنا إن حياته مخلوقة، وإذا قلنا إن حياته مخلوقة، فقد زعمنا أنه غير حي، وإذا زعمنا أنه غير حي فقد كفرنا به، ومن كفر به وجب عليه اللعن) (1).
ومن النظر في هذه السلسلة المنطقية بمقدماتها ونتائجها يظهر أن أساسها ومقدمتها الضرورية وهي أن روح القدس هي روح الله مقدمة ساقطة، لا يوافقه عليها أغلب الناس ولا يستطيع أن يقيم الدليل عليها، فالعقيدة السائدة الصحيحة هي أن روح القدس خلقه الله واتخذه ليكون رسولا بينه وبين من يريد أن يلقي عليه وحيا من خلقه أو أمرا كونيا (2).
ولكن هذا المجتمع لم يكن يكفر، ولم يجتمع ليناقش بل ليتخذ قرارا مبيتا قبل اجتماعه، ولذلك سرعان ما اتخذوا قرارهم بألوهية الروح القدس