الحاكم عصرا للنظر إلى عمارته فيمر بالمسجد الذي يدرس فيه الشيخ ويجلس معهم ويستمع البحث ثم يركب على فرسه ويمضي إلى عمارته فكان يوما من الأيام تأخر من وقته الذي يركب فيه وظن أن الدرس قد انقضى بسبب تأخيره فمر عليهم ولم يمض إليهم فرآه الشيخ والجماعة مارا وفي آخر النهار رجع من العمارة ومر على المسجد وإذا هم حضور فيه لم يتفرقوا عنه فنزل ودخل وسلم على الشيخ فزبره الشيخ وغضب عليه وتفل في وجهه وسبه وقال له قد شغلتك الدنيا وحبها عن استماع أحكام الله وأخبار آل رسول الله صلى الله عليه وآله والشيخ الحاكم يتضرع بين يديه ويعتذر إليه بظن فوات الوقت عليه والشيخ يزيده سبا ويوليه غضبا وكان الشيخ (قدس سره) فيه حدة مزاج وصلافة ولما تفل في وجهه مسح الحاكم التفلة بيديه وقال الحمد لله الذي جعل ريق العلماء شفاء من كل داء وتفرق المجلس بعد ذلك والشيخ على غضبه عليه فلما افترقا وذهب عنه الغيظ فكر في نفسه ورأى أنه قد أخطأ معه وهو حاكم البلد ورئيسها على الاطلاق ولا سيما أنه اعتذر إليه بعذر وكان ذلك الحاكم هو الذي يجري الإنفاق على الشيخ وتلامذته من ماله فخاف الشيخ أن يعاقبه ذلك الحاكم بسوء ومكروه لسوء صنيعه معه فلما مضى شطر من الليل وإذا بباب بيت الشيخ يطرق فخاف من ذلك وارتقب ما ظنه مما هنالك وأرسل من يكشف الخبر وإذا هو رسول ذلك الحاكم ومعه خلعة وكسوة له ولأهل بيته ولتلامذته دنانير ودراهم زيادة عن وظائفهم المقررة المعتادة ويقول له إن الشيخ يعتذر ويقول هذه كفارة وصدقة عما عملناه هذا اليوم من التقصير فطابت نفس ذلك الماجد بعد الخوف والكدر وآمنت من ذلك الحذر (نقلت كلامه بالمعنى).
(١٣٥)