في مجالي القدس مما تعجز عنها قوة البشر حتى يسلم لهم لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل وكذلك حركاتهم القولية والفعلية لا تبلغ إلى غاية انتظامها وجريانها على سنن الفطرة حركة كل البشر وهم في الرتبة العليا والدرجة الأولى من درجات الموجودات كلها فقد أحاطوا علما بما أطلعهم الرب تعالى على ذلك دون غيرهم من الملائكة والروحانيين ففي الأول تكون حالة حال التعلم * (علمه شديد القوى) * وفي الأخير حاله حال التعليم وذلك في حق آدم عليه السلام * (أنبئهم بأسمائهم) * حين كان الأمر على بدء الظهور والكشف فانظر كيف تكون الحال في نهاية الظهور وأما إضافتهم إلى جناب القدس فالعبودية الخاصة * (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) * قولوا إنا عباد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم أحق الأسماء لهم وأخص الأحوال بهم عبده ورسوله لا جرم كان أخص التعريفات لجلاله تعالى بأشخاصهم إله ابراهيم إله اسماعيل وإسحاق إله موسى وهرون إله عيسى إله محمد عليهم الصلاة والسلام فكما أن من العبودية ما هو عام الإضافة ومنها ما هو خاص الإضافة كذلك التعريف إلى الخلق بالإلهية والربوبية والتجلي للعباد بالخصوصية منه ما له عموم رب العالمين ومنه ما له خصوص رب موسى وهرون فهذه نهاية مذهبي الصابئة والحنفاء وفي الفصول التي جرت بين الفريقين فوائد لا تحصى وكان في الخاطر بعد زوايا نريد نمليها وفي القلم خفايا أكاد أخفيها فعدلت عنها إلى ذكر حكيم هرمس العظيم لا على أنه من حملة فرق الصابئة حاشاه بل على أن حكمه مما تدل على تقرير مذهب الحنفاء في اثبات الكمال في الأشخاص البشرية وإيجاب القول باتباع النواميس الإلهية على خلاف مذاهب الصابئة
(٤٤)