وكان قوم من الفريقين سلكوا مذهب فيثاغورس من الحكمة والعلم فتلطفوا حتى صاروا يظهرون على ما في أنفس أصحابهم من الخير والشر ويحبرون بذلك فيزيدهم ذلك حرصا على رياضة الفكر وقهر النفس الأمارة بالسوء واللحوق بما لحق به أصحابهم ومذهبهم في الباري تعالى أنه نور محض إلا أنه لابس جسدا ما يستتر به لئلا يراه إلا من استأهل رؤيته واستحقها كالذي يلبس في هذا العالم جلد حيوان فإذا خلعه نظر إليه من وقع بصره عليه وإذا لم يلبسه لم يقدر أحد من النظر إليه ويزعمون أنهم كالسبايا في هذا العالم فإن من حارب النفس الشهوية حتى منعها عن ملاذها فهو الناجي من دنيات العالم السفلى ومن لم يمنعها بقى أسيرا في بدنها والذي يريد أن يحارب هذا أجمع فإنما يقدر على محاربتها بنفي التجبر والعجب وتسكين الشهوة والحرص والبعد عما يدل عليها ويوصل إليها الإسكندر في الهند ولما وصل الاسكندر إلى تلك الديار وأراد محاربتهم صعب عليه إفتتاح مدينة احد الفريقين وهم الذين كانوا يرون إستعمال اللذات في هذا العالم بقدر القصد الذي لا يخرج إلى فساد البدن فجهد حتى فتحها وقتل منهم جماعة من أهل الحكمة فكانوا يرون جثث قتلاهم مطروحة كأنها جثثث السمك الصافية النقية التي في الماء الصافي فلما رأوا ذلك ندموا على فعلهم ذلك بهم وأمسكوا عن الباقين والفريق الثاني وهم الذين زعموا أن لا خير في إتخاذ النساء والرغبة في النسل ولا في شيء من الشهوات الجسدانية كتبوا إلى الإسكندر كتابا مدحوه فيه على حب الحكمة وملابسة العلم وتعظيم أهل الرأي والعقل والتمسوا منه حكيما يناظرهم فنفذ إليهم واحدا من الحكماء فنضلوه بالنظر وفضلوه بالعمل فانصرف الإسكندر عنهم ووصلهم بجوائز سنية وهدايا كريمة فقالوا إذا كانت الحكمة تفعل بالملوك هذا الفعل في هذا العالم
(٢٦٤)