وهذه تقريرات أبي علي بن سينا ونقضها على قوانين منطقية فليطلب ذلك ومن المتعصبين لبرقلس من مهد له عذرا في ذكر هذه الشبهات وقال إنه كان يناطق الناس منطقين أحدهما روحاني بسيط والآخر جسماني مركب وكان أهل زمانه الذين يناطقونه جسمانيين وإنما دعاه إلى ذكر هذه الأقوال مقاومتهم إياه فخرج من طريق الحكمة والفلسفة من هذه الجهة لأن من الواجب على الحكيم أن يظهر العلم على طرق كثيرة يتصرف فيها كل ناظر بحسب نظره ويستفيد منها بحسب فكره وإستعداده فلا يجدوا على قوله مسلخا ولا يصبوا مقالا ولا مطعنا لأن برقلس لما كان يقول بدهر هذا العالم وأنه باق لا يدثر وضع كتابا في هذا المعنى فطالعه من لم يعرف طريقته ففهموا منه جسمانية قوله دون روحانيته فنقضوه على مذهب الدهرية وفي هذا الكتاب يقول لما إتصلت العوالم بعضها ببعض وحدثت القوى الواصلة فيها وحدثت المركبات من العناصر حدثت قشور وإستنبطت لبوب فالقشور دائرة واللبوب قائمة دائمة لا يجوز الفساد عليها أنها بسيطة وحيدة القوى فإنقسم العالم إلى عالمين علم الصفوة واللب وعالم الكدورة والقشر فإتصل بعضه ببعض وكان آخر هذا العالم من بدء ذلك العالم فمن وجه لم يكن بينهما فرق فلم يكن هذا العالم داثرا إذ كان متصلا بما ليس يدثر ومن وجه دثرت القشور وزالت الكدرة وكيف تكون القشور غير داثرة ولا مضمحلة وما لم تزل القشور باقية كانت اللبوب خافية وأيضا فإن هذا العالم مركب والعالم الأعلى بسيط وكل مركب ينحل حتى يرجع إلى البسيط الذي تركب منه وكل بسيط باق دائما غير مضمحل ولا متغير اقل الذي يذب عن برقلس هذا الذي نقل عنه هو المنقول عن مثله بل الذي أضاف إليه هذا القول الأول لا يخلو من أحد أمرين إما أنه لم يقف على مرامه للعلة التي ذكرنا فيما سلف وإما لأنه كان محسودا عند أهل زمانه لكونه بسيط الفكر واسع النظر ساير القوى وكانوا أولئك أصحاب اوهام وخيالات فإنه يقول في موضع من
(١٥١)