رأينا هذا العالم المتحرك متناهية أزمانه وأعيانه وحركاته وأكوانه، وجميع ما فيه، ووجدنا ما غاب عنا من ذلك يلحقه النهاية، ووجد [نا] العقل يتعلق بما لا نهاية، ولولا ذلك لم يجد العقل دليلا يفرق ما بينهما، ولم يكن لنا بد من إثبات ما لا نهاية له معلوما معقولا أبديا سرمديا، ليس بمعلوم أنه مقصور القوى، ولا مقدور ولا متجزئ ولا منقسم، فوجب عند ذلك أن يكون ما لا يتناهى مثل ما يتناهى.
وإذ قد ثبت لنا ذلك، فقد ثبت في عقولنا أن ما لا يتناهى هو القديم الأزلي، وإذا ثبت شيء قديم وشئ محدث، فقد استغنى القديم الباري للأشياء عن المحدث الذي أنشأه وبرأه وأحدثه، وصح عندنا بالحجة العقلية أنه المحدث للأشياء، وأنه لا خالق إلا هو، فتبارك الله المحدث لكل محدث، الصانع لكل مصنوع، المبتدع للأشياء من غير شيء.
وإذا صح أني لا أقدر أن أحدث مثلي استحال أن يحدثني مثلي، فتعالى المحدث للأشياء عما يقول الملحدون علوا كبيرا. (1) 3491. الإمام الصادق (عليه السلام) - لما سئل: ما الدليل على أن للعالم صانعا؟ -: أكثر الأدلة في نفسي؛ لأني وجدتها لا تعدو أحد أمرين:
إما أن أكون خلقتها وأنا موجود، وإيجاد الموجود محال، وإما أن أكون خلقتها وأنا معدوم؛ فكيف يخلق لا شيء؟ فلما رأيتهما فاسدتين من الجهتين جميعا علمت أن لي صانعا ومدبرا. (2) 3492. عنه (عليه السلام) - لما سأله أبو شاكر الديصاني: ما الدليل على أن لك صانعا؟ -: