ولقد استشطت غيظا وكمدا منه في خيبر يوم فررت في اليوم الأول خائبا، وفر في اليوم الثاني عمر مدبرا هاربا، ونادى رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) ليعطين الراية لمن يحبه الله ورسوله كرار غير فرار فاتح، فكأن ذلك الفتى عليا، وكنا أنا وعمر وبعض من يضمه المجلس نتحرق غيظا، ونستشيط بغضا لمن تركنا في الأذلين وبلغ القمة السامقة بإسلامه والعصمة في إقدامه والطهارة منذ البدء، والتضحية والإكرام للأوفياء، والعون للضعفاء والفقراء، والنكال على أهل الضلال الأشقياء.
لطالما نعته الله بكتابه وخصه بثوابه، وميزه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببضعته وإخوته ومقامه، فجعله نفسه وأبا ذريته ومدحه في سره وعلانيته، ونسب له كل مكرمة، ونزهه من كل ذميمة محرمة.
فلم نلق من حياتنا معه ما يسد جشعنا وندرك أمانينا في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى إذا حل يوم غدير خم وأعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إمارته علينا وتأييده وأمرنا ببيعته وتسديده، فهنأناه كارهين، وأظهرنا له الطاعة ناقمين، وأعلن لنا أنها آخر حجة حجها وأنه دعي ويجيب، فتنفسنا الصعداء، وترقبنا يوم يفارقنا من دار الفناء لدار البقاء، ووالينا اجتماعاتنا ونجوانا سرا مثابرين، وأرقبنا اليوم الموعود ساهرين، لا نريد فرقته كي لا تفوتنا الفرصة، ولا الابتعاد عن المدينة وتركه مع علي فيما خصه.
وإذا به يراقبنا مراقبة في الصغيرة والكبيرة ويصغرنا بعد حملة خيبر كجندي يجد على تعزيره، ويضعنا جنودا تحت إمرة أسامة، الشاب الذي لما يبلغ العشرين! فأثرناها عليه من اليسار واليمين، سائمين ناقدين، فخطبنا متذمرا، وقد بدت عليه علائم مرض الموت، وقال إنه أمر الله وليس له من فوت، وبقينا متماهلين غير طائعين فلقي كل فرد من المتخلفين، فدعانا وطلب بياضا ودواة ليحرر وثيقة العهد لعلي، وقد دبرنا الانقلاب فثرنا في وجهه ناقمين، وطعنا به