لأن ابن عباس من الهاشميين المنكوبين منذ عهد السقيفة والشورى، ويعرف إجماع الأمة على خلع عثمان، أخص أجمع المهاجرين والأنصار، ولم يكن ابن عباس لهذه الدرجة من الغباوة التي يسكت تجاه موبقات عثمان في عبثه بالمال، وتسليط فجرة الأمويين على رقاب الناس قهرا.
ويرى ابن عباس كيف أن عثمان يتهم جميع الأمة بالكفر والخروج على ولايته المزعومة، وكم مرة تاب عثمان ونكث وهو يترقب هذه المرة الضربة القاضية على أيدي المتظلمين، الطالبين اعتزاله، والجميع يعلمون أنه مخادع، والعاقل لا يلدغ من حجر مرتين.
وهاك وصف ابن عباس لعثمان لما سأله سائل عنه فقال: لقد ألهته نومته عن يقظته، وهو أشد الضعف الذي يمكن أن يوصف به الخليفة.
أخرج أبو عمر في الاستيعاب أن ناسا جاءوا ابن عباس يسألونه قائلين:
جئناك نسألك، فقال: سلوا عما شئتم. فقالوا: أي رجل كان أبو بكر: فقال كالخير كله، على حدة كانت فيه. قالوا: فأي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطائر الحذر الذي يظن أن له في كل طريق شركا. قالوا: فأي رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قالوا: فأي رجل كان علي؟ قال: كان ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة مع قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان يظن أن لا يمد يده إلى شئ إلا ناله، فما مد يده إلى شئ فناله.
وحقا لم ينتبه عثمان من نومته ولا وعي من غفلته أو كاد حتى حرفه مستشاروه الأمويون، وحتى ذلك لا يجوز لخليفة رسول الله هذه الصفة التي اتصف بها عثمان بنظر ابن عباس، ودل عليه عمله إذ العمل صفة العامل.
وهل يستطيع النائم أن يحكم عقله، وقد حكم علماء النفس إن النوم يطلق الغرائز من مكمنها لتعمل ما تشاء بعيدة عن سيطرة العقل، وهذا ما يعنيه ابن عباس