الحديث بالمجبولية على معرفة الصانع والإذعان به. كذلك قوله في هذه الآية أيضا محمولة على هذا المعنى: ولئن سألتهم، أي كفار مكة كما ذكره المفسرون، أو الأعم كما هو الأظهر من الخبر، ليقولن الله، لفطرتهم على المعرفة. وقال البيضاوي:
لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره، بحيث اضطروا إلى إذعانه.
والمشهور أنه مبنى على أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله، بل كانوا يعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله، وظاهر الخبر أن كل كافر لو خلي وطبعه وترك العصبية ومتابعة الأهواء وتقليد الأسلاف والآباء، لأقر بذلك، كما ورد ذلك الأخبار الكثيرة.
قال بعض المحققين: الدليل على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على الله ويتوجهون توجها غريزيا إلى مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب، وإن لم يتفطنوا لذلك، ويشهد لهذا قول الله عز وجل قال: أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين. بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون.
وفي تفسير مولانا العسكري (عليه السلام) أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلى، قال: فهل كسر بك حيث ولولا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال بلى، قال: فهل تعلق قلبك هناك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلى، قال الصادق: فذلك الشئ هو الله القادر على الإنجاء حين ولولا منجي، وعلى الإغاثة حين ولولا مغيث.
ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عز وجل متروكين على ما فطروا عليه، مرضيا عنهم بمجرد الإقرار بالقول، ولم يكلفوا الاستدلالات العلمية في ذلك، وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة. وأما الاستدلال فللرد على أهل الضلال.
ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان، وتحصيل