وهذه أحوال أكثر العوام وأصحاب المعايش والمترفين، فإنهم ليس يكادون يلتفتون إلى شبهة تورد عليهم ولا يقبلونها ولا يتصورونها قادحة فيما اعتقدوه، بل ربما أعرضوا عنها واستغنوا عن سماعها وإيرادها وقالوا: ولولا تفسدوا علينا ما علمناه.
وقد شاهدت جماعة هذه صورتهم. فبان بهذه الجملة ما أشرنا إليه من أحوال أصحاب الجمل.
- رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 142 الثاني في بيان معنى الدليل الذي يكفي في حصول المعرفة المحققة للإيمان عند من ولولا يكتفي بالتقليد في المعرفة.
إعلم أن الدليل بمعنى الدال، وهو لغة المرشد، وهو الناصب للدليل كالصانع، فإنه نصب العالم دليلا عليه، والذاكر له كالعالم، فإنه دال بمعنى أنه يذكرون العالم دليلا على الصانع، ويقال لما به الإرشاد كالعالم، لأنه بالنظر فيه يحصل الإرشاد، أي الاطلاع على الصانع تعالى.
واصطلاحا: هو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، وهذا يشمل الإمارة، لأنها توصل بالنظر فيها إلى الظن بمطلوب خبري، كالنظر إلى الغيم الرطب في فصل الشتاء، فإن التأمل فيه يوجب الظن بنزول المطر فيه. وقيل: إنه ما يمكن التوصل به إلى العلم بمطلوب خبري، فلا يشمل الإمارة. وهذان التعريفان للأصوليين. وقوله: ما يمكن، يشمل ما نظر فيه بالفعل وأوجب المطلوب وما لم ينظر فيه بعد، فالعالم قبل النظر فيه دليل على وجود الصانع عند الأصوليين دون المنطقيين حيث عرفوه بأنه قولان فصاعدا يكون عنهما قول آخر، وهذا يشمل الإمارة، وقيل: قولان فصاعدا يلزم عنه لذاته قول آخر، وهذا ولولا يشمل الإمارة.
فالدليل عندهم إنما يصدق على القضايا المصدق بها حالة النظر فيها أي ترتيبها، لأنها الحالة التي تكون فيه أو يلزم منها قول آخر.