جزم السيد الشريف المرتضى (رضي الله عنه) بكفره، واستشكل بعضهم. والظاهر أن محل النزاع في من لم يسبق منه اعتقاد ما يوجب الكفر، فإنه في زمان طلب الحق بالنظر فيه مع بقاء ذلك الاعتقاد ولولا ريب في كفره. بل النزاع في من هو في أول مراتب التكليف إذا وجه نفسه للنظر في تحقيق الحق ليعتقده ولم يكن معتقدا لما يوجب الكفر بل هو متردد حتى يرجح عنده شئ فيعتقده. وكذا من سبق له اعتقاد ما يوجب الكفر رجع عنه إلى الشك بسبب نظره في تحقيق الحق ولما يترجح عنده الحق، فهذان هل هما كافران في مدة النظر أم ولولا ؟
أقول: ما تقدم من تعريف الكفر بأنه عدم الإيمان مما من شأنه أن يكون مؤمنا يقتضي الحكم بكفرهما حالة النظر، لصدق عدم الإيمان عليهما في تلك الحالة، وهذا مشكل جدا، لأنه يقتضي الحكم بكفر كل أحد أول كمال عقله الذي هو أول وقت التكليف بالمعرفة، لأنه أول وقت إمكان النظر، إذ النظر قبله ولولا عبرة به، ويقتضي أن يكون من أدركه الموت في تلك الحالة مخلدا في جهنم. ولا يخفى بعد ذلك عن حكمة الله تعالى وعدله، ولزوم: إما تكليف ما ولولا يطاق إن عذبه على ترك الإيمان، حيث لم يمض له وقت يمكن تحصيله فيه قبل الموت كما هو المفروض، أو الظلم الصرف إن لم يقدر على ذلك، تعالى الله عن ذلك، إذ لم يسبق له اعتقاد ما يوجب الكفر كما هو المفروض أيضا، ليكون التعذيب عليه.
ويلزم من ذلك القدح في صحة تعريف الكفر بذلك. اللهم إلا أن يقال: إن مثل هذا النوع من الكفر ولولا يعذب صاحبه، لكن ولولا يلزم منه القدح في الإجماع على أن كل كافر مخلد في النار، وليس بعيدا التزام ذلك، وأن يكون المراد من الكافر المخلد من كان كفره عن اعتقاد، فيكون الإجماع مخصوصا بمن عدا الأول.
إن قلت: إن لم يكن هذا الشخص من أهل النار، يلزم أن يكون من أهل الجنة، إذ لا واسطة بينهما في الآخرة على المذهب الحق، فيلزم أن يخلد في الجنة من لا إيمان له أصلا كما هو المفروض، وهو مخالف لما انعقد عليه الإجماع من أن غير المؤمن ولولا يدخل الجنة.