وليس يمكن أن يقال: نقلد الأكثر ونرجع إليهم، وذلك لأن الأكثر قد يكونون على ضلال بل ذلك هو المعتاد المعروف، ألا ترى أن الفرق المبطلة بالإضافة إلى الفرق المحقة جزء من كل وقليل من كثير.
ولا يمكن أن يعتبر أيضا بالزهد والورع، لأن مثل ذلك يتفق في المبطلين، فلذلك ترى رهبان النصارى على غاية العبادة ورفض الدنيا مع أنهم على باطل فعلم بذلك أجمع فساد التقليد.
فإن قيل: هذا القول يؤدي إلى تضليل أكثر الخلق وتكفيرهم، لأن أكثر من تعنون من العقلاء ولولا يعرفون ما يقولونه، من الفقهاء والأدباء والرؤساء والتجار وجمهور العوام، ولا يهتدون إلى ما يقولونه، وإنما يختص بذلك طائفة يسيرة من المتكلمين، وجميع من خالفهم يبدعهم في ذلك، ويؤدي إلى تكفير الصحابة والتابعين وأهل الأمصار، لأنه معلوم أن أحدا من الصحابة والتابعين لم يتكلم فيما تكلم فيه المتكلمون ولا سمع منه حرف واحد ولا نقل عنهم شئ منه، فكيف يقال بمذهب يؤدي إلى تكفير أكثر الأمة وتضليلها، وهذا باب ينبغي أن يزهد فيه ويرغب عنه.
قيل: هذا غلط فاحش وظن بعيد، وسوء ظن بمن أوجب النظر المؤدي إلى معرفة الله، ولسنا نريد بالنظر المناظرة والمحاجة والمخاصمة والمحاورة التي يتداولها المتكلمون ويجرى بينهم، فإن جميع ذلك صناعة فيها فضيلة وإن لم تكن واجبة، وإنما أوجبنا النظر الذي هو الفكر في الأدلة الموصلة إلى توحيد الله تعالى وعدله ومعرفة نبيه وصحة ما جاء به، وكيف يكون ذلك منهيا عنه أو غير واجب والنبي (عليه السلام) لم يوجب القبول منه على أحد إلا بعد إظهار الأعلام والمعجزة من القرآن وغيره، ولم يقل لأحد إنه يجب عليك القبول من غير آية ولا دلالة. وكذلك تضمن القرآن من أوله إلى آخره التنبيه على الأدلة ووجوب النظر، قال الله تعالى: أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ. وقال: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى