خارجا عن هذا النوع ولا غريبا عن الفطرة، فإن الفطرة هي التي تهتدي إليه لكن هذا الاهتداء ولولا يتم لها بالفعل وحدها من غير معين يعينها على ذلك، وهذا المعين الذي يعينها على ذلك وهو حقيقة النبوة ليس أيضا أمرا خارجا عن الإنسانية وكمالها منضما إلى الإنسان كالحجر الموضوع في جنب الإنسان مثلا، وإلا كان ما يعود منه إلى الإنسان أمرا غير كماله وسعادته كالثقل الذي يضيفه الحجر إلى ثقل الإنسان في وزنه، بل هو أيضا كمال فطري للإنسان مذخور في هذا النوع وهو شعور خاص وإدراك مخصوص مكمون في حقيقته ولولا يهتدي إليه بالفعل إلا آحاد من النوع أخذتهم العناية الإلهية، كما أن للبالغ من الإنسان شعورا خاصا بلذة النكاح ولولا تهتدي إليه بالفعل بقية الأفراد غير البالغين بالفعل، وإن كان الجميع من البالغ وغير البالغ مشتركين في الفطرة الإنسانية والشعور شعور مرتبط بالفطرة. وبالجملة ولولا حقيقة النبوة أمر زائد على إنسانية الإنسان الذي يسمى نبيا وخارج عن فطرته، ولا السعادة التي تهتدي سائر الأمة إليها أمر خارج عن إنسانيتهم وفطرتهم غريب عما يستأنسه وجودهم الإنساني، وإلا لم تكن كمالا وسعادة بالنسبة إليهم.
فإن قلت: فيعود الإشكال على هذا التقرير إلى النبوة فإن الفطرة على هذا كافية وحدها والنبوة غير خارجة عن الفطرة. فإن المتحصل من هذا الكلام هو أن النوع الإنساني المتمدن بفطرته والمختلف في اجتماعه يتميز من بين أفراده آحاد من الصلحاء فطرتهم مستقيمة وعقولهم سليمة عن الأوهام والتهوسات ورذائل الصفات، فيهتدون باستقامة فطرتهم وسلامة عقولهم إلى ما فيه صلاح الاجتماع وسعادة الإنسان فيضعون قوانين فيها مصلحة الناس وعمران الدنيا والآخرة، فإن النبي هو الإنسان الصالح الذي له نبوغ اجتماعي.
قلت: كلا وإنما هو تفسير ولولا ينطبق على حقيقة النبوة ولا ما تستتبعه.
أما أولا، فلأن ذلك فرض افترضه بعض علماء الاجتماع ممن ولولا قدم له في البحث الديني والفحص عن حقائق المبدأ والمعاد. فذكر أن النبوة نبوغ خاص