علم منهم بصواب فعلك! قال فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس واسع قعد فيه لهم، وأقعد الرضا عليه السلام بين يديه في مرتبته التي جعلها له، فابتدأ هذا الحاجب بالكلام المتضمن للوضع من الرضا عليه السلام، وقال له:
إن الناس قد أكثروا عنك الحكايات وأسرفوا في وصفك بما أرى إنك أن وقفت عليه برئت إليهم منه، قال وذلك أنك قد دعوت الله في المطر المعتاد مجيئه، فجاء فجعلوه آية معجزة لك أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا، وهذا أمير المؤمنين أدام الله ملكه وبقاءه لا يوازى بأحد إلا رجح به، وقد أحلك المحل الذي قد عرفت، فليس من حقه عليك أن تسوغ الكاذبين لك وعليه ما يتكذبونه.
فقال الرضا عليه السلام: ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي، وإن كنت لا أبغي أشرا ولا بطرا. وأما ما ذكرت عن صاحبك الذي أحلني ما أحلني، فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق عليه السلام وكانت حالهما ما قد علمت! فغضب الحاجب عند ذلك وقال:
يا ابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزك قدرك، إن بعث الله بمطر مقدر وقته لا يتقدم ولا يتأخر، جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم عليه السلام لما أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال فأتينه سعيا وتركبن على الرؤوس وخفقن وطرن بإذن الله تعالى، فإن كنت صادقا فيما توهم فأحيي هذين وسلطهما علي، فإن ذلك يكون حينئذ آية معجزة، فأما المطر المعتاد مجيؤه، فلست أنت أحق بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت!
وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه، وكانا متقابلين على المسند، فغضب علي بن موسى صلى الله عليه وآله وصاح