فلما انتهى إلى قوله:
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات قال له الرضا عليه السلام: أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟
فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال عليه السلام:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة توقد في الأحشاء بالحرقات إلى الحشر حتى يبعث الله قائما يفرج عنا الهم والكربات فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟
فقال الرضا عليه السلام: قبري، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له.
ثم نهض الرضا عليه السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة، وأمره أن لا يبرح من موضعه، فدخل الدار فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية فقال له: يقول لك مولاي إجعلها في نفقتك. فقال دعبل: والله ما لهذا جئت ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شئ يصل إلي، ورد الصرة وسأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السلام ليتبرك ويتشرف به، فأنفذ إليه الرضا عليه السلام جبة خز مع الصرة وقال للخادم: قل له خذ هذه الصرة فإنك ستحتاج إليها، ولا تراجعني فيها، فأخذ دعبل الصرة والجبة وانصرف وسار من مرو في قافلة، فلما بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص فأخذوا القافلة بأسرها، وكتفوا أهلها وكان دعبل فيمن كتف وملك اللصوص القافلة وجعلوا يقسمونها بينهم، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل في قصيدته:
أرى فيئهم في غيرهم متقسما وأيديهم من فيئهم صفرات فسمعه دعبل فقال له: لمن هذا البيت؟ فقال لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي، قال: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت! فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلي على رأس تل، وكان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل وقال له: أنت دعبل؟ فقال نعم. فقال له أنشدني القصيدة فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة، ورد إليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل!