بعض أولئك: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي! لقد أعنت على نفسك وأهلك، جئت بهذا الساحر ولد السحرة، وقد كان خاملا فأظهرته، ومتضعا فرفعته، ومنسيا فذكرت به، ومستخفا فنوهت به، قد ملأ الدنيا مخرقة وتشوفا بهذا المطر الوارد عند دعائه! ما أخوفني أن يخرج هذا الرجل هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد علي! بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك والتواثب على مملكتك، هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك؟!
فقال المأمون: كان هذا الرجل مستترا عنا يدعو إلى نفسه، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتونون به أنه ليس مما ادعى في قليل ولا في كثير وأن هذا الأمر لنا دونه، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسده ويأتي علينا منه ما لا نطيقه! والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا، وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره، ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق لهذا الأمر، ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه!
قال الرجل: يا أمير المؤمنين فولني مجادلته فإني أفحمه وأصحابه وأضع من قدره، فلولا هيبتك في نفسي لأنزلته منزلته، وبينت للناس قصوره عما رشحته له. قال المأمون: ما شئ أحب إلي من هذا.
قال فاجمع جماعة وجوه مملكتك من القواد والقضاة وخيار الفقهاء، لأبين نقضه بحضرتهم، فيكون أخذا له عن محله الذي أحللته فيه، على