ورد صفة النسيان في القرآن الكريم، ولا يجوز لنا أن نقول أن لله نسيانا ولكنه ليس كنسياننا، وذلك لأن الله عز وجل قال: (وما كان ربك نسيا).
والنسيان في الآيتين السابقتين يؤول بالترك، وكذلك لا يجوز لعاقل أن يقول يضحك لا كضحكنا، أو تتبعه بقولك (بلا كيف) أو (كما يليق بجلاله)، ونقول: إن الله لا يخاطبنا إلا بما نفهم، ونحن لا نفهم الضحك الذي تطلقه حقيقة على الله إلا بالانفعال أو التبسم أو القهقهة كما تفهم العرب! وهذا محال على الله إلا إذا أولت ذلك بالرحمة، كما أولها البخاري اتباعا للسان العربي في مجازه. ولا يقاس على قولنا: سميع لا كسمعنا، بصير لا كبصرنا، بقولهم: ينزل لا كنزولنا ويتحرك لا كحركتنا، فهذا قياس باطل، لأن المراد بقولنا هذا: إثبات صفة السمع مع نفي كون ذلك بجارحة أو آلة السمع وهي الأذن لأنه سبحانه منزه عن الأدوات والأعضاء.
ولكننا نفهم من الخطاب صفة السمع، وتفويض علم ذلك إلى الله تعالى لأننا لا ندركها.
وكذلك في البصر نثبت الصفة مع نفي الآلة، وتفويض علمه إلى الله مع الإيمان به.
أما عن الحركة والهرولة والنزول الذي يطلقه البعض دون ترو أو بصيرة على الله تعالى، لا يتصور فيها وجود شئ يمكن إثباته بعد نفي عنصر التشبيه منها، وتفويض معناه إلى الله عز وجل، كما فعلنا في صفتي السمع والبصر، فالحركة لا يفهم منها إلا الانتقال من محل إلى آخر ولا تعقل إلا بذلك، فإن نفى الانتقال بعد إثباتها لم تعد حركة، فيبطل ما أثبته من البداية وناقض نفسه، لأنه لم يبق شئ يمكن إثباته، خلافا للسمع والبصر، فالمرض والنسيان المضافان لله تعالى لا يمكن اعتبارهما صفة لله تعالى للقاعدة التي ذكرناها.