(.. فإذا كان الذهن عاجزا عن تصور ذات بعض مخلوقات الله تعالى فهو أحرى بالعجز عن تصور ذاته سبحانه!!).
لذلك أخي العزيز: من قال إن إثبات الأسماء والصفات لله تعالى يستلزم التشبيه له بالمخلوقات، فقد جانب الصواب، لأن التشابه في قدر مشترك قد يكون من جهة اللفظ وليس الحقيقة، ولكي يتضح لكم الأمر، أضرب مثلين: الأول: هو الجنة، فقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى: أن فيها لبنا وعسلا وخمرا وماء ولحما وفاكهة وحرير (كذا) وذهبا وفضة وحورا وقصورا، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: ليس في الدنيا شئ مما في الجنة إلا الأسماء.
فإذا كانت تلك الحقائق التي أخبر الله عنها، هي موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا، وليست مماثلة لها... فالخالق سبحانه وتعالى أعظم مباينة للمخلوقات من مباينة المخلوق للمخلوق... إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق الموافق له في الاسم من الخالق إلى المخلوق. ثم لنعلم جميعا أن الله سبحانه وتعالى لا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه، وأن الذي يستعمل في حقه تعالى هو " المثل الأعلى " وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال فالخالق أولى به، وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص فالخالق أولى بالتنزيه عنه.
المثل الثاني: مما يدل على أن الأشياء تشترك في الأسماء وتختلف في الحقيقة، هذا المثل البسيط، وهو (رأس الجمل - رأس الجبل - رأس المال) فهل رأس الجمل مثل رأس الجبل، وهل كلا (كذا) منهما مثل رأس المال.
الجواب: لا، وبهذين المثلين يتبين لنا أن إثبات الأسماء والصفات لله تعالى وإن تشابهة (كذا) في اللفظ لا يلزم من ذلك المماثلة بالمخلوقات، بل نثبت