(ومن المعلوم لمن له عناية بالقرآن أن جمهور اليهود لا تقول إن عزير (كذا) ابن الله، وإنما قاله طائفة منهم كما قد نقل أنه قال: فنحاص بن عازورا، أو هو وغيره!!
وبالجملة إن قائلي ذلك من اليهود قليل، ولكن الخبر عن الجنس، كما قال: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم، فالله سبحانه بين هذا الكفر الذي قاله بعضهم وعابه به. فلو كان ما في التوراة من الصفات التي تقول النفاة إنها تشبيه وتجسيم، فإن فيها من ذلك ما تنكره النفاة وتسميه تشبيها وتجسيما بل فيها إثبات الجهة وتكلم الله بالصوت وخلق آدم على صورته وأمثال هذه الأمور، فإن كان هذا مما كذبته اليهود، وبدلته كان إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وبيان ذلك أولى من ذكر ما هو دون ذلك!!
فكيف والمنصوص عنه موافق للمنصوص في التوراة!! فإنك تجد عامة ما جاء به الكتاب والأحاديث في الصفات موافقا مطابقا لما ذكر في التوراة!!
وقد قلنا قبل ذلك إن هذا كله مما يمتنع في العادة توافق المخبرين به من غير مواطأة وموسى لم يواطئ محمدا ومحمد لم يتعلم من أهل الكتاب، فدل ذلك على صدق الرسولين العظيمين وصدق الكتابين الكريمين!!
وقلنا إن هذا لو كان مخالفا لصريح المعقول لم يتفق عليه مثل هذين الرجلين اللذين هما وأمثالهما أكمل العالمين عقلا، من غير أن يستشكل ذلك وليهما المصدق ولا يعارض بما يناقضه عدوهما المكذب، ويقولان إن إقرار محمد صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب على ذلك من غير أن يبين كذبهم، فيه دليل على أنه ليس مما كذبوه وافتروه على موسى، مع أن هذا معلوم بالعادة.