عمران، وهذه صفراء (1) بنت شعيب، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء.
فجلست واحدة عن يمينها، والأخرى عن يسارها، والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها نور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة، وقنعتها بالآخر، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بشهادة " أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء، وأن ولدي سيد الأسباط "، ثم سلمت عليهن، وسمت كل واحدة منهن باسمها، وضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة (عليها السلام)، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سميت " الزهراء " (عليها السلام)، وقالت: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها. فتناولتها خديجة عليها السلام فرحة مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت، فدر عليها. وكانت (عليها السلام) تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في الشهر، وفي شهر كما ينمي الصبي في سنة صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها (2).
وقيل: بينما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس بالأبطح ومعه عمار ابن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب، إذ هبط عليه جبرئيل (عليه السلام) في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه: يا محمد العلي الأعلى يقرئ عليك السلام وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحا. فشق ذلك على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان لها محبا وبها وامقا (3). قال: فأقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعين يوما يصوم النهار ويقوم الليل، حتى إذا كان