الفحص والرجوع إلى السنة النبوية، ومقابلة الآية المبينة للحكم مع الأحاديث التي وردت في بابه، لأن السنة بيان وتفسير للقرآن.
السنة النبوية:
أجمع المسلمون بكلمة واحدة على أن ما ثبت عن الرسول بطريق اليقين فهو حجة متبعة، تماما كالقرآن، لقوله تعالى: " ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عن فانتهوا ".
ولكن أبا حنيفة لم يثبت عنده من أحاديث الرسول إلا سبعة عشر حديثا، لأنه لا يقبل الحديث إلا إذا رواه جماعة عن جماعة، أو اتفق فقهاء الأمصار على العمل به، أو رواه صحابي، ولم يخالفه فيه أحد. وهذا التشدد في الحديث أدى به إلى تضييق العمل بالسنة، أو طرحها بالنتيجة، والتوسع في العمل بالرأي، سواء أكان الرأي قياسا أم استحسانا أم مصالح مرسلة. " ومن الأمور الظاهرة في فقه أبي حنيفة الحيل الشرعية، وقد أصبحت فيما بعد بابا واسعا من أبواب الفقه في مذهب أبي حنيفة وغيره من المذاهب، وإن كانت في مذهب أبي حنيفة أظهر " (1).
ومعنى اقتصار أبي حنيفة على العمل ب 17 حديثا فقط أنه في النتيجة لا يعتمد على السنة كمصدر للتشريع، وأن صحيح البخاري ومسلم، وبقية الصحاح المحتوية على مئات الأحاديث ليست بشئ، مع أن الحنفية يعتبرونها، ويعملون بها خلافا لمبدأ إمامهم أبي حنيفة.
أما ابن حنبل فيأخذ بالحديث الصحيح إن وجده، وإلا فبما أفتى به الصحابة، وإن اختلفوا تخير، وإلا فبالحديث المرسل والضعيف، وإن فقد كل هؤلاء التجأ إلى الرأي من قياس واستصلاح. ولا يعمل به إلا عند الضرورة.
وبهذا يتبين الفرق بين مسلك ابن حنبل، ومسلك أبي حنيفة، فالأول يوسع دائرة الأخبار، ويضيق دائرة الرأي، والثاني على العكس يوسع دائرة الرأي، ويضيق دائرة الأخبار، ومن هنا كان المدى بعيدا بين فقه المذهبين.
أما مالك فوسط بين الاثنين، فهو لا يشترط في الحديث الشهرة كأبي