فالمال مال الحاكم، والجند جند الحاكم، والناس كلهم عبيد الحاكم. قال معاوية بن أبي سفيان: " الأرض لله، وأنا خليفة الله. فما أخذت فلي، وما تركته للناس فبالفضل مني ". وعلى هذا المبدأ، وهب مصر لعمرو بن العاص مكافأة له على جهاده وبلائه ضد الإمام علي. وكان جند يزيد في وقعة الحرة يجبرون الناس على أن يبايعوا يزيدا، على أنهم عبيد قن له، وينقشون أكف المبايعين علامة الاسترقاق، ومن أبى عن هذه البيعة ضربت عنقه.
من هذا النظام وحده تولدت محن آل البيت وغير آل البيت، وإن كان نصيبهم منها أكبر وأفظع.
ولا بد من التساؤل: لماذا ذعر الناس لمحن آل البيت وتحدثوا فيها وأطالوا الحديث أكثر من غيرها؟ ويمكننا الجواب بأن محنهم كانت أقسى المحن جميعا، وبأنها في نظر المسلمين هي محن الإسلام نفسه. فقد أوصى الرسول وبالغ في الوصاية بأهل بيته، وواساهم بكتاب الله، وشبههم بسفينة نوح، واعتبر التعدي عليهم تعديا عليه بالذات، وهذا السب يرجع إلى الدين، ولا شئ يوازي احترام العقيدة الدينية وتقديسها عند المسلمين وبخاصة في ذاك العهد.
وهناك أسباب سياسية لتوالي المحن على آل البيت من الحكام، وإذاعتها بين الجماهير أكثر من غيرها. لما يئس المسلمون من إصلاح الحاكم تمنوا أن يدبر شؤونهم إمام عادل ناصح لله ورسوله، وفي آل البيت خير من توافرت فيه هذه الصفات، بل كان في المسلمين حزب قوي منتشر في أقطار الأرض يدين بالتشيع لهم، ويرى أن الخلافة حق خصه الله بعلي وبينه، وقد أعلن الشيعة هذا المبدأ في أشعارهم، واتخذوه أساسا لتعاليمهم، وعملوا على بثه في الجهر والخفاء، ولم يتركوا فرصة تمر إلا عددوا مناقب آل البيت ومثالب من غصبهم هذا الحق.
فرأي الحكام في آل البيت وشيعتهم خطرا كبيرا على سلامة الدولة وأمنها أكثر من غيرهم فخصوهم بالقسط الأوفر من المحن، ونكلوا بهم بقسوة تفوق كل قسوة. وقد رأى الناس في هذه المحن موردا خصبا للتشهير بالحاكم وإثارة الجماهير، ولا شئ كالخطوب والمآسي تستدعي عطف الناس، وتثير إشفاقهم ورحمتهم، وكلنا يعرف كيف استغل معاوية قميص عثمان لتأليب أهل الشام على علي. فالشيعة أذاعوا تلك المحن وبكوا واستبكوا الناس وفاء لأئمتهم، ولبث