بنفسه وأهله وأصحابه، لأن يزيد بن معاوية لم يترك مجالا للمهادنة. وظهرت آثار علوم الإمام محمد الباقر وولده الإمام جعفر الصادق، لأن العلم في عصرهما كثر طلابه والراغبون فيه، وقد أفسح لهما المجال للتدريس وبث العلوم.
محن آل البيت:
تحدث أصحاب التاريخ والسير عن محن آل البيت وأطالوا الحديث، ووضع الشيعة فيها كتبا مستقلة سموا الكثير منها بأسماء تدل عليها، كاسم مثير الأحزان، ونفس المهموم، والدمعة الساكبة، ولواعج الأشجان، ورياض المصائب، واللهوف، ومقاتل الطالبين، وما إلى ذلك. وتكاد تتفق كلمة الباحثين القدامي والمتأخرين على أن الأمويين إنما نكلوا بآل البيت أخذا بثارات بدر وأحد، لأن محمدا وعليا قتلا في هاتين الحربين شيوخ الأمويين وساداتهم. ويستشهدون على ذلك بما تمثل به يزيد بن معاوية، عندما قتل الحسين، ووضع رأسه بين يديه:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلوا فرحا، * ثم قالوا: يا يزيد، لا تشل وليس ببعيد أن يتذكر يزيد الحفائظ والحروب القديمة بين محمد، جد الحسين، وجده أبي سفيان، وبين علي أبي الحسين وأبيه معاوية، وأن ينطق بكلمة التشفي والحقد، ولكن الباعث الأول على الفجيعة هو نظام الجور، وعهد الأب للابن بالخلافة، وجعلها حقا موروثا. والبحث في محن آل البيت واسع المجال متشعب الأطراف.
فقد ظهرت آثار هذه المحن في العقيدة، والسياسة، والأدب، والتقاليد، وما زالت تفعل فعلها إلى اليوم، ولم يتح لمحن آل البيت، فبما أعلم، من درسها درسا موضوعيا، ولا يمكن شرحها وبيان أسبابها ونتائجها في مقامنا هذا. وعلى أي الأحوال، فإن محن آل البيت ومحن الناس جميعا ابتدأت منذ تغير نظام الحكم عند المسلمين.
كان الحكم في عهد الرسول الأعظم يقوم على مبدأ أن كل شئ لله، فالمال مال الله، والجند جند الله، ومعنى هذا أن الناس جميعا متساوون في الحقوق، لأن الله للجميع وبعده بأمد قصير تغير هذا النظام، وأصبح كل شئ للحاكم.