عارضا وأثارا عليه حربا شعواء، فأبى، ولما أشير عليه أن يخادعهما ويخادع معاوية حتى يستقيم له الأمر، فقال: لا أداهن في ديني، ولا أعطي الدنية في أمري. وأبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثارا للخصاص التي يسكنها الفقراء.. وكان يلبس المرقع حتى استحيا من راقعه، كما قال، وكان راقعه ولده الحسن. ويأكل الخبز الشعير تطحنه امرأته بيدها مواساة للكادحين والمعوزين. وأثنى عليه رجل من أصحابه، فأجابه بقوله: إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم إني أحب الاطراء واستماع الثناء....
فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة.
وكان منكرا لذاته متوجها بكل تفكيره إلى خير الجماعة، لا يبالي بغضب الخاصة، إذا رضيت العامة، ويقول: إن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة.
لذا افتتنت به الجماهير في عصره وبعد عصره، وبوأته أعلى مكان، لأنه العنوان الكامل لآمالها وأمانيها. ومنهم من رفعه إلى مكان الآلهة، كما فعل الغلاة، وبحق قال له النبي: يا علي إن الله قد زينك بأحب زينة لديه، وهب لك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعا، ويرضون بك إماما.
لقد بالغ علي في تمسكه بالحق، وحاسب عليه نفسه وعماله، حتى أغضب الكثير منهم، وبعضهم تركه وهرب إلى عدوه معاوية، وأصبح عونا له بعد أن كان حربا عليه.
آمن علي بالله وبالإنسان. وقد ورث عنه الأئمة من ولده هذا الإيمان وساروا بسيرته، وتخلقوا بأخلاقه، فكل واحد منهم وافر العلم، محب للخير والسلم، عزوف عن الشر والحرب، صارم في الحق. وإنما ظهر بعض هذه الصفات في شخص أحدهم أكثر من الآخرين تبعا للظروف ومقتضيات الأحوال. ظهر في الحسن بن علي حبة للسلم وكرهه للحرب، لأن عصره كان عصر الفتن والقلاقل، بايعه أهل العراق بعد وفاة أبيه بالخلافة، وكان جيشه يتألف من أربعين ألفا.
ولما رأي أن معاوية مصر على الحرب، تنازل له عن الخلافة مؤثرا حقن الدماء وصالح الإسلام على كل شئ... وظهرت صلابة الحسين في الحق، وضحى